اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَمَالِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهۡطِعِينَ} (36)

قوله : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } .

روي أنَّ المشركين كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ، ويستهزئون به ويكذبونه ، ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنَّة كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فلندخلنَّها قبلهم ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : { أَيَطْمَعُ كُلُّ امرئ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ } .

وقال أبو مسلمٍ{[57940]} : ظاهر الآية يدل على أنهم هم المنافقون ، فهم الذين كانوا عنده ، وإسراعهم المذكور هو الإسراعُ في الكفر ، لقوله تعالى : { وَلاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِي الكفر }[ آل عمران : 176 ] .

و «الإهْطَاعُ » : الإسراعُ .

قال الأخفش : «مُهْطعيْنَ » ، أي : مُسرِعيْنَ ، قال : [ الوافر ]

4867 - بِمكَّةَ أهْلُهَا ولقَدْ أرَاهُمْ*** إليْهِ مُهْطِعينَ إلى السَّماعِ{[57941]}

والمعنى : ما بالهُمْ يسرِعُونَ إليْكَ ، ويجلسُونَ حولك ، ويعملون بما تأمُرهُمْ .

وقيل : ما بالهم يسرعون في التكذيب لك .

وقيل : ما بالُ الذين كفروا يسرعون إلى السَّماع منك ليعيبوكَ ويستهزئوا بك .

وقال عطيةُ : «مُهْطِعيْنَ » : مُعْرضِيْنَ .

وقال الكلبيُّ : ناظرين إليك تعجُّباً .

وقال قتادةُ : مادّين أعناقهم مديمي النظر إليك ، وذلك من نظر العدو ، وهو منصوبٌ على الحال .

قال القرطبيُّ{[57942]} : نزلت في جميع المنافقين المستهزئين ، كانوا يحضرونه - عليه الصلاة والسلام - ولا يؤمنون به ، و «قبلك » ، أي : نحوك .


[57940]:ينظر الفخر الرازي 30/116.
[57941]:ينظر القرطبي 18/189.
[57942]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/189.