نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ فِي جَنَّـٰتٖ مُّكۡرَمُونَ} (35)

ولما ذكر حلاهم أتبعه ما أعطاهم فقال مستأنفاً ومستنتجاً من غير فاء إشارة إلى أن{[68442]} رحمته {[68443]}هي التي{[68444]} أوصلتهم إلى ذلك من غير سبب منهم في الحقيقة : { أولئك } أي الذين هم في غاية العلو لما لهم من هذه الأوصاف العالية ، وعبر بما يدل على أنه عجل جزاءهم سبحانه فقال : { في جنات } أي في الدنيا والآخرة ، أما في الآخرة فواضح ، وأما في الدنيا فلأنهم لما{[68445]} جاهدوا فيه بإتعاب أنفسهم في هذه الأوصاف حتى تخلقوا بها أعطاهم بمباشرتها لذاذات من أنس القرب وحلاوة المناجاة لا يساويها شيء أصلاً ، والجنة محل اجتمع فيه جميع الراحات والمستلذات والسرور{[68446]} ، وانتفى عنه جميع{[68447]} المكروهات والشرور ، وضدها النار ، وزادهم على ذلك بقوله : { مكرمون * } معبراً باسم المفعول إشارة إلى عموم الإكرام من الخالق والخلق الناطق وغيره لأنه سبحانه قضى بأن يعلو مقدارهم حتى يكونوا أعظم مشخص{[68448]} ؟ لهم في الغيب مبالغاً في إكرامهم عند المواجهة ليكون لهم نصيب من خلق نبيهم صلى الله عليه وسلم ، " لقيه يوم بني قريظة علي رضي الله عنه وكان قد سبقه إليهم فقال : يا رسول الله ، ما عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابث{[68449]} ؟ فقال : ولم ، لعلك سمعت بي منهم أذى ، لو قد دنوت منهم لم يقولوا من ذلك شيئاً ، ثم دنا منهم فقال : هل أخزاكم الله يا إخوان القردة والخنازير ، فقالوا : مه يا أبا القاسم ما كنت جهولاً " وكلموه بأحسن ما يمكنهم ، وكذا كانت معه قريش قبل الهجرة في أكثر أحوالهم ، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فيتلقاهم الملائكة بالبشرى حين الموت وفي قبورهم ومن حين قيامهم من قبورهم إلى حين{[68450]} دخولهم إلى قصورهم .


[68442]:- من ظ وم، وفي الأصل: التي هي.
[68443]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن جعلتهم.
[68444]:- من ظ وم، وفي الأصل: التي هي.
[68445]:- زيد من ظ وم.
[68446]:- زيد من ظ وم.
[68447]:- زيد من ظ وم.
[68448]:- من ظ وم وفي الأصل: مبقص.
[68449]:- من ظ وم وفي الأصل: الخبابت.
[68450]:- سقط من ظ وم.