نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (29)

ولما كان ذلك ربما تعنت به المتعنت في خلق الأفعال ، قال نافياً لاستقلالهم ومثبتاً للكسب : { وما تشاءون } أي أيها الخلائق الاستقامة { إلا أن يشاء الله } أي الملك الأعلى الذي لا حكم لأحد سواه مشيئتكم ، وإن لم يشأها لم تقدروا على مشيئة ، فادعوه مخلصين له الدين يشأ{[71983]} لكم ما يرضيه فيوفقكم إليه ، وعن وهب بن منبه أنه قال : الكتب التي أنزلها الله {[71984]}على الأنبياء{[71985]} عليهم الصلاة والسلام بضع وتسعون{[71986]} كتاباً قرأت منها بضعاً وثمانين-{[71987]} كتاباً فوجدت فيها : من جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر - انتهى .

ومن تأمل هذه الآية أدنى تأمل علم أن كلام المعتزلة بعدها في القدر دليل على أن الإنسان إذا كان له هوىً لا يرده شيء أصلاً

{ ومن يضلل الله فما له من هاد }[ الرعد : 33 ] .

ولما وصف نفسه سبحانه بأنه لا يخرج شيء عن أمره ، أتبع ذلك الوصف بما هو كالعلة لذلك فقال : { رب العالمين * } أي الموجد {[71988]}لهم والمالك{[71989]} والمحسن إليهم والمربي لهم وهو أعلم بهم منهم ، فلأجل ذلك لا يقدرون إلا على ما قدرهم{[71990]} عليه ، ويجب على كل منهم طاعته و-{[71991]} الإقبال بالكلية عليه سبحانه وتعالى وشكره استمطاراً للزيادة-{[71992]} ، فلهذه الربوبية صح تصرفه في الشمس و{[71993]}ما تبعها مما{[71994]} ذكر أول السورة لإقامة الساعة لأجل حساب الخلائق ، والإنصاف بينهم بقطع كل العلائق ، كما يفعل كل رب مع من يربيه فكيف بأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ! فقد التقى طرفاها على أشرف الوجوه وأجلاها ، وانتظم أول الانفطار بما له من بديع الأسرار ، فالتكوير كالانشقاق والتفطير ، والانكدار مثل التساقط والانتشار ، {[71995]}والله سبحانه هو أعلم بالصواب{[71996]} .


[71983]:من ظ و م، وفي الأصل: يشأكم.
[71984]:من ظ و م، وفي الأصل: يشأكم.
[71985]:من م، وفي الأصل و ظ: عليهم.
[71986]:من م، وفي الأصل و ظ: عليهم.
[71987]:من ظ و م، وفي الأصل: ستون.
[71988]:زيد من ظ و م.
[71989]:من ظ و م، وفي الأصل: والمالك لهم.
[71990]:من ظ و م، وفي الأصل: والمالك لهم.
[71991]:زيد من ظ و م.
[71992]:زيد من ظ و م.
[71993]:من ظ و م، وفي الأصل: معها.
[71994]:من ظ و م، وفي الأصل: معها.
[71995]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[71996]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.