نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونٖ} (22)

ولما وصفه السفير الملكي وهو جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الصفات الخمس التي أزالت عن القرآن كل لبس ، وكان وصفه بها إنما هو لأجل إثبات شرف الرسول البشري الذي هو بين الحق وعامة{[71947]} الخلق ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم بأن ما يقوله كلام الله حقاً ، وكانوا يصفونه بما هو في غاية النزاهة عنه وهم يعلمون ذلك ، أبطله مبكتاً لهم بالكذب وموبخاً بالبلادة بقوله زيادة في شرفه حيث كان هو المدافع عنه : { وما صاحبكم } أي الذي طالت صحبته لكم وأنتم تعلمون أنه في غاية الكمال حتى أنه ليس له وصف عندكم إلا الأمين ، وأعرق في النفي فقال : { بمجنون * } أي كما تبهتونه به من غير استحياء من الكذب الظاهر مع ظهور التناقض فعل ألأم اللئام ، بل جاء بالحق وصدق المرسلين ، فما القرآن الذي يتلوه عليكم قول مجنون ولا قول-{[71948]} متوسط في العقل بل قول أعقل العقلاء وأكمل الكملاء{[71949]} ، وهذا النفي المؤكد ثابت له دائماً على سبيل الاستغراق لكل زمان - هذا ما دل عليه الكلام لا ما{[71950]} قال الزمخشري إنه يدل على أفضلية{[71951]} جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بقية الملائكة ، فإنه ما سيق لذلك ولا هو والله مما يرضي جبريل عليه السلام ، قال الأصبهاني هنا : هذا يدل على فضله {[71952]}وأما أنه يدل{[71953]} على أنه أفضل من جميع الملائكة ومن محمد صلى الله عليه وسلم فلا يمكنه ، وقال في قوله تعالى في البقرة :

( وملائكته ورسله }[ البقرة : 285 ] : ولم يلزم من تقديم الملائكة في الذكر تفضيلهم{[71954]} على الرسل ، وأما تقديم جبريل على ميكائيل فليس ببعيد أن يكون للشرف كما أن تخصيصهما بالذكر لفضلهما ، وقال في النجم : ثم دنا جبريل من ربه عز وجل ، وهذا قول مجاهد يدل عليه ما روي في الحديث : " إن أقرب الملائكة إلى الله عز وجل جبريل عليه السلام " - انتهى . ولو صح هذا الحديث لكان فيه كفاية لكن لم أجده أصلاً ، وقال الأصبهاني في{[71955]} عم في قوله{[71956]} :

{ يوم يقوم الروح }[ النبأ : 38 ] عن ابن عباس رضي الله عنهما : هو أعظم الملائكة خلقاً وأشرف منهم ، وأقرب من رب العالمين - انتهى . فهذا كما ترى صريح في تفضيل الروح ، وقال السهيلي في غزوة بدر في كتابه الروض{[71957]} : ونزل جبريل عليه السلام بألف من الملائكة فكان في خمسمائة في الميمنة ، وميكائيل عليه السلام في خمسمائة في الميسرة ، ووراءهم مدد من الملائكة لم يقاتلوا وهم الآلاف المذكورون في سورة آل عمران ، وكان إسرافيل عليه السلام وسط الصف لا يقاتل كما يقاتل غيره من الملائكة عليهم الصلاة والسلام – انتهى-{[71958]} . وهذا يدل على شرف إسرافيل عليه السلام لأن موقفه موقف رئيس القوم وفعله فعله - والله أعلم .


[71947]:في ظ: خاصة.
[71948]:زيد من ظ و م.
[71949]:من ظ، وفي الأصل و م: الكملة.
[71950]:من ظ و م، وفي الأصل: كما.
[71951]:من ظ و م، وفي الأصل: فضيلة-كذا.
[71952]:من ظ و م، وفي الأصل: أما وأنه يدخل.
[71953]:من ظ و م، وفي الأصل: أما وأنه يدخل.
[71954]:زيد في الأصل: على تقديمهم، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[71955]:زيد في الأصل: سورة، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[71956]:سقط من ظ و م.
[71957]:راجع 2/91.
[71958]:زيد من ظ و م.