اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (29)

قوله : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ } بدل من «للعالمين » بإعادة العامل ، وعلى هذا فقوله : { أَن يَسْتَقِيمَ } : مفعول «شاء » أي : لمن شاء الاستقامة ، ويجوز أن يكون «لمن شاء » خبراً مقدماً ، ومفعول شاء محذوف ، وأن يستقيم مبتدأ ، وتقدم نظيره والمعنى : لمن شاء منكم أن يستقيم .

قال أبو جهل : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم وهذا هو القدر ، وهو رأس القدرية . فنزلت : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّ العالمين } ، فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيراً إلا بتوفيق الله تعالى ، ولا شرًّا إلا بخذلانه .

قوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله } ، أي : إلا وقت مشيئة الله تعالى .

وقال مكيٌّ : «أن » في موضع خفض بإضمار «الباء » ، أو في موضع نصب بحذف الخافض .

يعني : أن الأصل «إلا بأن » ، وحينئذ تكون للمصاحبة .

فصل في تفسير الآية

قال الحسن : والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاء الله تعالى لها{[59513]} .

وقال وهب بن منبه - رضي الله عنه - : قرأت في تسعة{[59514]} وثمانين كتاباً مما أنزل الله - تعالى - على الأنبياء : من جعل إلى نفسه شيئاً فقد كفر ، وفي التنزيل : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله } [ الأنعام : 111 ] .

وقال تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } [ يونس : 100 ] .

وقال تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] ، والآيُ في هذا كثيرة وكذلك الأخبار وأن الله - تعالى - هدى بالإسلام ، وأضلَّ بالكفر{[59515]} .

قال ابنُ الخطيب{[59516]} : وهذا عين{[59517]} مذهبنا ؛ لأن الأفعال موقوفة على مشيئتنا ، ومشيئتنا موقوفة على مشيئة الله ، والموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء ، فأفعال العباد ثبوتاً ونفياً موقوفة على مشيئة الله تعالى ، وحمل المعتزلة ذلك على أنها مخصوصة بمشيئة الإلجاء والقهر ، وذلك ضعيف ؛ لأن المشيئة الاختيارية حادثة ، فلا بد من محذوف ، فيعود الكلام . والله تعالى أعلم .

ختام السورة:

روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ { إِذَا الشمس كُوِّرَتْ } ، أعاذهُ الله أنْ يَفضحَهُ حِينَ تُنشرُ صَحِيفَتُهُ »{[1]} والله أعلم بالصواب .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[59513]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/158).
[59514]:في أ: سبعة.
[59515]:ينظر: المصدر السابق.
[59516]:ينظر: الفخر الرازي 31/69.
[59517]:في أ: غير.