التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ} (111)

{ *وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ( 1 ) مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ( 111 ) } [ 111 ] .

قبلا : عيانا أمامهم .

في الآية تقرير بأن الله لو أنزل الملائكة فرآهم المشركون جهرة وأحيا لهم الموتى فكلموهم ولبى كل ما يقترحون ويطلبون وجعله ماثلا أمامهم عيانا لما آمنوا إلا أن يشاء الله إيمانهم ، وأن أكثرهم يجهل هذه الحقيقة ويتصرفون إزاءها تصرف الجهال .

والآية كما هو واضح متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وإيضاح ، والمتبادر أنها بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتثبيتهم وإقناعهم بعدم صدق رغبة المشركين وتصميمهم على المكابرة والجحود على أي حال .

ومع ما هو ظاهر من خصوصية الآية وصلتها بموقف مكابرة الكفار وهدفها من تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فإن بعض المفسرين وقفوا عند عبادة { إِلاَّ أَن يَشَاء اللّه } وقالوا : إنها تقرر أن المشيئة لله تعالى في كل حال وفي كل أمر . فهو الهادي وهو الضال{[929]} . وقال فريق آخر {[930]} إنها بمعنى ( إلا أن يجبرهم ويقسرهم على الإيمان ) ونحن نرجح المعنى الثاني الذي انطوى في آيات أخرى بصراحة أكثر ، منها ما مر شرحه في هذه السورة وما قبلها . ولا يقتضي هذا ما يحتج به بعض علماء الكلام أن يقع من الكفار ما لا يشاء الله تعالى ، وإنما ينطوي فيه معنى أكدته آيات أخرى بصراحة أكثر مرت أمثلة عديدة منها وهو أن حكمة الله وناموس خلقه اقتضيا أن يكون للناس حرية الاختيار والكسب وإرادتهما . وهذا من مشيئة الله الأزلية فليس هناك تعارض على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة وبخاصة في التعليق الذي علقناه على هذا الموضوع في سورة المدثر ، ويجب أن نذكر دائما آية سورة الزمر التي أوردناها آنفا فهي من الضوابط في هذا الموضوع وهي تنسب الكفر والشكر للناس .


[929]:انظر تفسيرها في تفسير ابن كثير مثلا.
[930]:انظر المنار والزمخشري والطبرسي.