معاني القرآن للفراء - الفراء  
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلٗا مِّنۡ أَنفُسِكُمۡۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٞ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (28)

وقوله : { كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ 29 }

نصبتَ الأنفس ؛ لأن تأويل الكاف والميم في { خِيفَتِكُمْ } مرفوع . ولو نويْت به - بالكافِ والميم - أن يكون في تأويل نصبٍ رفعت ما بعدها . تقول في الكلام : عجبت مِن موافقتك كثرةُ شربِ الماء ، عجبت من اشترائكَ عبداً لا تحتاج إليه . فإذا وقع مثلها في الكلام فأجرِه بالمعنى لا باللفظ . والعرب تقول : عجبت من قيامكم أجْمعونَ وأجمعين ، وقيامكم كُلُّكم وكُلِّكم . فمنْ خفض أتبعه اللفظ ؛ لأنه خَفْض في الظاهِرِ ومن رفع ذهب إلى التأويل . ومثله { لإيلاَفِ قرَيْشٍ إيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء والصَّيْفِ } أوقعت الفعل من قريش على { رِحْلَة } والعرب تقول : عجبت من تساقطها بعضُها فوق بعض ، وبعِضها ، على مثل ذلك : هذا إذا كَنَوا . فإذا قالوا سَمْعت قرع أنيابه بعضِها بَعضاً خفضوا ( بعض ) وهو الوجه في الكلام ؛ لأن الذي قبله اسم ظاهر ، فاتبعوه إيَّاه . لو رفعت ( بعضها ) كان على التأويل .