بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلٗا مِّنۡ أَنفُسِكُمۡۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٞ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (28)

ثم قال عز وجل : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً } نزلت في كفار قريش ، كانوا يعبدون الآلهة ، ويقولون في إحرامهم : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك . قال الله تعالى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً } يعني : وصف لكم شبهاً { مّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم } يعني : من العبد { مّن شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم } من الأموال { فَأَنتُمْ } وعبيدكم { فِيهِ سَوَاء } في الرزق فيما أعطيناكم من الأموال والملك .

ثم قال : { تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } قال مقاتل : يعني : أتخافون عبيدكم أن يرثوكم بعد الموت ، كما تخافون أن يرثكم الأحرار ؟ فقالوا : لا . فقال : أترضون لله الشركة في ملكه وتكرهون لأنفسكم . قال الكلبي : { هَلْ لَّكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم مّن شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم } من أموالكم ، من عبيدكم وإمائكم ، { فَأَنتُمْ } وهم { فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } يقول : كما يخاف الرجل ابنه وعمه وأقاربه . قالوا : لا . قال : فأنتم لا ترضون هذا لأنفسكم أن يكونوا فيما تملكون يشاركونكم في أموالكم . فكيف ترضون لله ما لا ترضون به لأنفسكم .

وقال السدي : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً } هذا مثل ضربه الله عز وجل في الميراث للآلهة . يقول : هل لكم مماليك شركاء في الميراث الذي ترثونه من آبائكم ، وأنتم تخافون أن يدخل معكم مملوككم في ذلك الميراث ، كما تدخلون أنتم فيه . فكما لا يكون للملوك أن يدخل في مواريثكم ، فكذلك لا يكون لهذا الوثن الذي تعبدونه من دون الله عز وجل ، أن يدخل في ملكي . وإنما خلقي وعبيدي .

قال أبو الليث رحمه الله : وفي الآية دليل أن العبد لا ملك له ، لأنه أخبر أن لا مشاركة للعبيد فيما رزقنا الله عز وجل من الأموال .

ثم قال عز وجل : { كذلك نُفَصّلُ الآيات } يعني : نبيّن العلامات { لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الأمثال فيوحدونه .