فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلٗا مِّنۡ أَنفُسِكُمۡۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٞ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (28)

{ ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون28 بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين29 }

ساق الله تعالى للمكلفين مثلا منتزعا من أنفسهم ، وقال قتادة : هذا مثل ضربه الله للمشركين ، والمعنى هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله ؟ ! فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فكيف جعلتم لله شركاء ؟ ! وجاء المثل في صورة استفهام إنكاري ، كأنه قيل : هل شركاؤكم فيما رزقناكم من الأموال وغيرها كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم ؟ ! ف { شركاء } مبتدأ مؤخر ، و{ لكم } خبر مقدم ، و{ من } الأولى لابتداء الغاية ، و{ من } الثانية للتبعيض ، و{ من } الثالثة للتوكيد ، { فأنتم فيه سواء } في موضع الجواب للاستفهام الإنكاري ، [ تخافونهم أن تستبدوا بالتصرف فيه بدون رأيهم خيفة كائنة مثل خيفة من هو من نوعكم- يعني الأحرار . . . أي لا ترضون أن يشارككم فيما رزقناكم من الأموال ونحوها مماليككم وهم أمثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم بل لله تعالى ، فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه تعالى الذاتية مخلوقه{[3330]} سبحانه ، بل مصنوع مخلوقه جل وعلا حيث تصنعونه بأيديكم ثم تعبدونه ]{[3331]} ، وفي غرائب القرآن : وفي قوله : { في ما رزقناكم } إشارة إلى أن الذي هو لكم ليس في الحقيقة لكم ، وإنما الله استخلفكم فيه ورزقكموه من فضله . اه مثل ذلك التبيين الواضح نبين الحجج بالغة قاطعة- إذ التمثيل تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحسوس-{ لقوم يعقلون } يفكرون بعقولهم ، ويتدبرون في أنفسهم وأحوالهم ، وما جاءهم من ربهم - وخصهم بالذكر مع عموم تفصيل الآيات للكل- لأنهم المنتفعون بها .


[3330]:أورد ابن كثير عن الطبراني- بسنده- عن ابن عباس قال: كان يلبي أهل الشرك: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك، إلا شريكا لك، تملكه وما ملك، فأنزل الله تعالى{.. هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم....}.
[3331]:مما أورد الألوسي.