فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلٗا مِّنۡ أَنفُسِكُمۡۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٞ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (28)

{ ضرب لكم } أيها المشركون { مثلا } قد تقدم تحقيق معنى المثل { من أنفسكم } من لابتداء الغاية أي مثلا منتزعا كائنا ومأخوذا من أنفسكم ، فإنها أقرب شيء منكم وأبين من غيرها عندكم فإذا ضرب لكم المثل بها في بطلان الشرك كان أظهر دلالة وأعظم وضوحا ثم بين المثل المذكور فقال : { هل لكم مما ملكت أيمانكم ؟ } من للتبعيض أي من مماليككم وفي قوله { من شركاء } زائدة للتأكيد ، والمعنى هل لكم شركاء ؟

{ فيما رزقناكم } من الأموال وغيرها كائنون من النوع الذي ملكت أيمانكم ، وهم العبيد والإماء ؟ والاستفهام للإنكار . قال ابن عباس في الآية : كان يلبي أهل الشرك : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، فأنزل الله هذه الآية .

{ فأنتم } وهم { فيه سواء } أي مستوون في التصرف فيه على عادة الشركاء ، وهذا جواب للاستفهام الذي بمعنى النفي ، ومحقق لنفي الشركة بينهم وبين العبيد والإماء المملوكين لهم في أموالهم ، والمعنى هل ترضون لأنفسكم والحال أن عبيدكم وإماءكم أمثالكم في البشرية أن يساووكم في التصرف بما رزقناكم من الأموال ؟ ويشاركوكم فيها من غير فرق بينكم وبينهم ؟

{ تخافونهم } خيفة { كخيفتكم أنفسكم } أي كما تخافون الأحرار المشابهين لكم في الحرية وملك الأموال ، وجواز التصرف . والمراد نفي الأشياء الثلاثة ، الشركة بينهم وبين المملوكين ، والاستواء معهم وخوفهم إياهم . وليس المراد ثبوت الشركة ونفي الاستواء والخوف كما قيل وفي قولهم : ما تأتينا فتحدثنا . ؟ والمراد إقامة الحجة على للمشركين فإنهم لا بد أن يقولوا : لا نرضى بذلك ، فيقال لهم : فكيف تنزهون أنفسكم عن مشاركة المملوكين لكم ؟ وهم أمثالكم في البشرية ، وتجعلون عبيد الله شركاء له ؟ فإذا بطلت الشركة بين الله وبين أحد من خلقه ، والخلق كلهم عبيد الله تعالى ، لم يبق إلا أنه الرب وحده لا شريك له . قرئ أنفسكم بالنصب على أنه معمول المصدر المضاف إلى فاعله ، وبالرفع على إضافة المصدر إلى مفعوله .

{ كذلك نفصل الآيات } تفصيلا واضحا وبيانا جليا لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها { لقوم يعقلون } لأنهم الذين ينتفعون بالآيات التنزيلية والتكوينية باستعمال عقولهم في تدبرها والتفكر فيها ، ثم أضرب سبحانه عن مخاطبة المشركين وإرشادهم إلى الحق بما ضرب لهم من المثل فقال :