تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ} (58)

وقوله تعالى : ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ) أي لا تفعل بهم مثل ما فعلوا من الخيانة [ فتكون أنت في الخيانة ][ من م ، ساقطة من الأصل ] سواء ؛ لأن عندكم أنكم معاهدون على عهد بعد عهد . ولكن انبذ إليهم ، ثم ناصب في ما بينهم الحرب .

وقال بعضهم : هو على حقيقة الخوف ، يقول : إذا خفت منهم النقض أو الخيانة ( فانبذ إليهم ) أي ألق إليهم نقضك لتكون أنت وهم في العلم بالنقض سواء .

وقال أبو عبيدة : قوله : ( فانبذ بهم على سواء ) أي أظهر لهم أنك عدو وأنك مناصب حتى يعلموا ذلك ، فتصيروا على ذلك سواء . وقال بعضهم : ( على سواء ) أي على أمر بين .

قال أبو عبيد : قال غير واحد من أهل العلم ( فانبذ إليهم على سواء ) أعلمهم أنك تريد أن تحاربهم حتى يصيروا مثلك في العلم ، فذلك السواء .

قال الكسائي : السواء العدل ، وقال : ( فانبذ إليهم على سواء ) أي سر إليهم ، وقد علموا بك ، وعلمت بهم ، وبعضها[ في الأصل وم : وبعضهم ] قريب من بعض .

وحاصل التأويل/203-ب/ هو [ التأويلات اللذان ][ في الأصل وم : التأويلين اللذين ] ذكرنهما ، والله أعلم .

وأصل العهد ما ذكر عز وجل في آية أخرى ، وهو قوله : ( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ )[ التوبة : 4 ] أمر عز وجل بإتمام العهد إلى المدة إذا لم ينقضونا شيئا ، ولم يخونوا ، ولم يظاهروا علينا أحدا منهم . فإذا فعلوا شيئا من ذلك فلنا أن ننقض العهد الذي بيننا وبينهم ، إذا سألونا ؛ ليسا للإمام أن يعطي لهم العهد إذا لم يكن في العهد منفعة للمسلمين منفعة ظاهرة ، وخير[ في الأصل وم : وخيرا ] لهم مراعاة ذلك العهد وحفظه . فإذا خاف منهم قلة نقضه ، والله أعلم .

ثم إذا كانت[ في الأصل وم : كان ] تلك الخيانة من جملتهم أو ممن له منفعة فله أن يناصب معهم الحرب ، وإن لم ينبذوا إليهم . وإذا كان ذلك من بعض سبيل التلصص والسرقة فليس له أن يحاربهم إلا بعد النبذ إليهم .