قوله تعالى : { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ } : هذا جوابٌ للقسم المضمرِ في قوله : " مَوْثِقاً " لأنه في معنى : حتى تحلفوا لي لتأتُنَّني به .
قوله : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } في هذا الاستثناء أوجه أحدُها : أنه منقطع ، قاله أبو البقاء ، يعني فيكون/ تقديرُ الكلام : لكن إذا أحيط بكم خَرَجْتُمْ مِنْ عَتَبي وغضبي عليكم إن لم تَأْتوني به لوضوح عُذْركم .
الثاني : أنه متصل وهو استثناء مِن المفعول له العامِّ . قال الزمخشري : " فإن قلت أخبرْني عن حقيقة هذا الاستثناء ففيه إشكال . قلت : { أَن يُحَاطَ بِكُمْ } مفعولٌ له ، والكلامُ المثبت الذي هو قولُه " لَتأْتُنَّني به " في معنى النفي معناه : لا تَمْتنعون من الإِتيان به إلا للإِحاطة بكم ، أو لا تمتنعون منه لعلةٍ من العلل إلا لعلة واحدة وهي أنْ يُحاط بكم ، فهو استثناءٌ مِنْ أَعَمِّ العامِّ في المفعول له ، والاستثناء من أعم العام لا يكون إلا في النفي وحده ، فلا بد مِنْ تأويله بالنفي ، ونظيرُه في الإِثبات المتأوَّل بمعنى النفي قولهم : " أقسمتُ باللَّه لما فعلتَ وإلا فعلت " ، تريد : ما أطلبُ منك إلا الفعلَ " ولوضوح هذا الوجهِ لم يذكر غيره .
والثالث : أنه مستثنى مِنْ أعمِّ العامِّ في الأحوال . قال أبو البقاء : " تقديره : لَتَأْتُنَّني به على كل حال إلا في حال الإِحاطة بكم " . قلت : قد نَصُّوا على أنَّ " أنْ " الناصبة للفعل لا تقع موقعَ الحال ، وإن كانَتْ مؤولةً بمصدر يجوز أن تقع موقع الحال ، لأنهم لم يَغْتفروا في المُؤَول ما يَغْتفرونه في الصريح فيجيزون : جئتُك رَكْضاً ، ولا يُجيزون : جئتك أن أركضَ ، وإن كان في تأويله .
الرابع : أنه مستثنى من أعم العام في الأزمان . والتقدير : لَتَأْتُنَّني به في كلِّ وقتٍ لا في وقت الإِحاطة بكم . وهذه المسألة تَقدَّم فيها خلافٌ ، وأن أبا الفتح أجاز ذلك ، كما يُجَوِّزه في المصدر الصريح ، فكما تقول : " أتيتُكَ صِياحَ الدِّيك " يُجيز " أنْ يَصيح الديك " وجعل من ذلك قول تأبط شراً :
2806 وقالوا لها : لا تَنْكِحيهِ فإنَّه *** لأَِوَّلِ نَصْلٍ أن يُلاقِيَ مَجْمعا
2807 وتاللَّهِ ما إنْ شَهْلَةٌ أمُّ واجدٍ *** بأوجدَ مني أن يُهانَ صغيرُها
قال : " تقديره : وقتَ ملاقاتِه الجمعَ ، ووقت إهانةِ صغيرها " . قال الشيخ : " فعلَى ما قاله يجوز تخريجُ الآية ، ويبقى " لتأتُنَّني به " على ظاهره من الإِثبات " . قلت : الظاهر من هذا أنه استثناءٌ مفرغ ، ومتى كان مفرَّغاً وَجَبَ تأويلُه بالنفي .
ومنع ابن الأنباري مِنْ ذلك في " أنْ " وفي " ما " أيضاً قال : " فيجوز أن تقولَ : خروجُنا صياح الديك ، ولا يجوز خروجُنا أن يصيحَ ، أو : ما يصيح الديك : فاغتُفِر في الصريح ما لم يُغْتفر في المؤول " . وهذا قياس ما قدَّمْتُه في مَنْع وقوع " أنْ " وما في حَيِّزها موقعَ الحال ، ولك أَنْ تُفَرِّق ما بينهما بأن الحال تلزمُ التنكيرَ ، وأنْ وما في حَيِّزها نَصُّوا على أنها في رتبة المضمر في التعريف ، فيُنافي وقوعَها موقعَ الحال بخلاف الظرف ، فإنه لا يُشْترط تنكيرُه ، فلا يَمْتنع وقوعُ " أَنْ " وما في حيزها موقعَه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.