الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَٰعَهُمۡ وَجَدُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ رُدَّتۡ إِلَيۡهِمۡۖ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِيۖ هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَاۖ وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا وَنَحۡفَظُ أَخَانَا وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖۖ ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ} (65)

قوله تعالى : { رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } : قرأ علقمة ويحيى والأعمش " رِدَّتْ " بكسر الراء على نَقْلِ حركةِ الدالِ المدغمة إلى الراء بعد تَوَهُّم خُلُوِّها مِنْ حركتها ، وهي لغةُ بني ضَبَّة ، على أن قطرباً حكى عن العرب نَقْلَ حركةِ العين إلى الفاء في الصحيح فيقولون : " ضِرْب زيدٌ " بمعنى ضُرِب زيد ، وقد تقدَّم ذلك في قوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ } [ الآية : 28 ] في الأنعام .

قوله : { مَا نَبْغِي } في " ما " هذه وجهان ، أظهرهما : أنها استفهاميةٌ فهي مفعولٌ مقدمٌ واجبُ التقديم ؛ لأن لها صدرَ الكلام ، أي : أيَّ شيءٍ نبغي . والثاني : أَنْ تكونَ نافيةً ولها معنيان ، أحدهما : ما بقي لنا ما نطلب ، قاله الزجاج . والثاني : ما نبغي ، من البغي ، أي : ما افْتَرَيْناه ولا كَذَبْنا على هذا المَلِكِ في إكرامه وإحسانه . قال الزمخشري : " ما نبغي في القول وما نتزيَّد فيما وَصَفْنا لك من إحسان المَلِك " .

وأَثْبَتَ القرَّاءُ هذه الياءَ في " نبغي " وَصْلاً ووقفاً ولم يَجْعلوها من الزوائد بخلاف التي في الكهف كما سيأتي : { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } [ الكهف : 64 ] . والفرق أنَّ " ما " هناك موصولةٌ فحُذِفَ عائدُها ، والحذفُ يُؤْنِسُ بالحذف ، وهذه عبارة مستفيضة عند أهلِ هذه الصناعةِ يقولون : التغيير يُؤْنس بالتغيير بخلافها هنا فإنها : إمَّا استفهاميةٌ ، وإمَّا نافيةٌ ، ولا حَذْفَ على القولين حتى يُؤْنَسَ بالحذف .

وقرأ عبد اللَّه وأبو حيوة ورَوَتْها عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " ما تبغي " بالخطاب . و " ما " تحتمل الوجهين أيضاً في هذه القراءة .

والجملةُ مِنْ قوله : { هَذِهِ بِضَاعَتُنَا } تحتمل أنْ تكونَ مفسِّرةً لقولهم " ما نبغي " ، وأن تكونَ مستأنفةً .

قوله : { وَنَمِيرُ } معطوفٌ على الجملة الاسمية قبلها ، وإذا كانت " ما " نافيةً جاز أن تُعْطَفَ على " نَبْغي " ، فيكونَ عَطْفَ جملةٍ فعلية على مثلِها . وقرأت عائشة وأبو عبد الرحمن : " ونُمير " مِنْ " أماره " إذا جَعَلَ له المِيرة يُقال : ماره يَميره ، وأماره يُمِيْره . والمِيرة : جَلْبُ الخير قال :

2805 بَعَثْتُكَ مائِراً فمكَثْت حَوْلاً *** متى يأتي غِياثُكَ مَنْ تُغِيْثُ

والبعيرُ لغةً يقع على الذَّكَر خاصةً ، وأطلقه بعضُهم على الناقة أيضاً ، وجعله نظيرَ " إنسان " ، ويجوز كَسْرُ بائه اتباعاً لعينه ، ويُجمع في القلة على أبْعِرَة ، وفي الكثرة على بُعْران .