الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (68)

قوله تعالى : { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ } : في جواب " لمَّا " هذه ثلاثة أوجه ، أحدها : وهو الظاهر أنه الجملةُ المنفية من قوله : { مَّا كَانَ يُغْنِي } . وفيه حجةٌ لمَنْ يَدَّعي كونَ " لمَّا " حرفاً لا ظرفاً ، إذ لو كانت ظرفاً لعمل فيها جوابُها ، إذ لا يَصْلح للعملِ سواه ، لكن ما بعد " ما " النافية لا يَعْمل فيما قبلها ، لا يجوز : " حين قام أخوك ما قام أبوك " ، مع جواز " لمَّا قام أخوك ما قام أبوك " .

والثاني : أنَّ جوابَها محذوفٌ ، فقدَّره أبو البقاء : " امتثلوا وقَضَوا حاجةَ أبيهم " ، وإليه نحَا ابن عطية أيضاً ، وهو تَعَسُّفٌ لأنَّ في الكلامِ ما هو جوابٌ صريحٌ كما قَدَّمْتُه .

والثالث : أنَّ الجوابَ هو قولُه : " آوى " قال أبو البقاء : " وهو جوابُ " لمَّا " الأولى والثانية كقولك : " لمَّا جِئْتني ، ولمَّا كَلَّمْتك أَجَبْتَني " ، وحَسَّن ذلك أنَّ دخولَهم على يوسف عليه السلام يَعْقُبُ دخولهم من الأبواب " يعني أنَّ " آوى " جوابُ الأولى والثانية ، وهو واضح .

قوله : { إِلاَّ حَاجَةً } فيه وجهان ، أحدهما : أنه استثناءٌ منقطع تقديرُه : ولكنَّ حاجةً في نفس يعقوب قضاها ، ولم يذكر الزمخشري غيره . والثاني : أنه مفعولٌ مِنْ أجله ، ولم يذكر أبو البقاء غيره ، ويكون التقدير : ما كان يُغْني عنهم لشي من الأشياء إلا لأجلِ حاجةٍ كانت في نفس يعقوب . وفاعل " يُغْني " ضميرُ التفرقِ المدلولِ عليه من الكلام المتقدم . وفيما أجازه أبو البقاء نظرٌ من حيث المعنى لا يَخْفَى على متأمِّله . و " قضاها " صفةٌ ل " حاجةً " .