الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ } : يجوز فيه عدةُ أوجهٍ ، أحدُها : أن يكونَ منصوباً ب " انتقام " ، أي : يقع انتقامُهُ في ذلك اليوم . الثاني : أن ينتصبَ ب " اذكْر " . الثالث : ان ينتصبَ بما يتلخَّص مِنْ معنى { عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } . الرابع : أن يكونَ بدلاً من { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ } [ إبراهيم : 44 ] . الخامس : أن ينتصبَ ب " مُخْلِف " . السادس : أن ينتصبَ ب " وَعْدِه " ، و " إنَّ " وما بعدها اعتراضٌ . ومنع أبو البقاء هذين الأخيرين ، قال " لأنَّ ما قبل " إنَّ " لا يعمل فيما بعدها " . وهذا غيرُ مانعٍ لأنه كما تقدَّم اعتراضٌ فلا يُبالَى به فاصلاً .

وقوله : " والسماواتُ " تقديرُه : وتُبَدَّل السماواتُ غيرَ السماواتِ . وفي التبديلِ قولان : هل هو متعلِّقٌ بالذات أو بالصفة ؟ وإلى الثاني مَيْلُ ابنِ عباس ، وأنشد :

فما الناسُ بالناسِ الذين عَهِدْتُهُمْ *** ولا الدارُ التي كنتُ تَعْلَمُ

وقرئ " نُبَدِّل " بالنون ، " الأرضَ " نصباً ، و " السماواتِ " نَسَقٌ عليه .

قوله : " وبَرَزوا " فيه وجهان : أحدُهما أنها جملةٌ مستأنفةٌ ، أي : ويَبْرُزُون ، كذا قدَّره أبو البقاء ، يعني أنه ماضٍ يُراد به الاستقبالُ ، والأحسنُ أنه مِثْلُ

{ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ } [ الأعراف : 50 ] { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ }

[ الأعراف : 44 ] { رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الحجر : 2 ] { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ }

[ النحل : 1 ] لتحقُّقِ ذلك .

والثاني : أنها حالٌ من الأرض ، و " قد " معها مُرادةٌ ، قاله أبو البقاء ، ويكون الضميرُ في " بَرَزوا " للخَلْق دَلَّ عليهم السياقُ ، والرابطُ بين الحالِ وصاحِبِها الواوُ .

وقرأ زيدُ بنُ علي " وبُرِّزوا " بضم الباءِ وكسر الراء مشددةً على التكثير في الفعلِ ومفعوله .