الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

قوله تعالى : { فَتَزِلَّ } : منصوبٌ بإضمار " أَنْ " ، على جوابِ النهي .

قوله : { بِمَا صَدَدتُّمْ } : " ما " مصدريةٌ ، و " صَدَدْتُمْ " يجوز أن يكونَ من الصُّدود ، وأن يكونَ مِن الصَدِّ ، ومفعولُه محذوفٌ . ونُكِّرت " قَدَمٌ " ، قال الزمخشري : " فإن قلت : لِمَ وُحِّدَتِ القَدَمُ ونُكِّرَتْ ؟ قلت : لاستعظامِ أن تَزِلَّ قدمٌ واحدةٌ عن طريقِ الحق بعد أن ثَبَتَتْ عليه ، فكيف بأقدامٍ كثيرة " ؟ .

قال الشيخ : " الجمع تارةً يُلْحَظُ فيه المجموعُ من حيث هو مجموعٌ ، وتارةً يُلحظ فيه كلُّ فردٍ فردٍ . فإذا لُوْحظ فيه المجموعُ كان الإِسنادُ معتبراً فيه الجمعيَّةُ ، وإذا لُوْحظ فيه كلُّ فردٍ فردٍ ، كان الإِسناد مطابقاً للفظِ الجمع كثيراً ، فيُجْمع ما أُسند إليه ، ومطابقاً لكلِّ فردٍ فردٍ فيُفْرد ، كقوله تعالى : { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ } ، لمَّا كان لُوْحِظ في قوله : " لهنَّ " ، معنى لكلِّ واحدة ، ولو جاء مُراداً به الجمعيةُ أو الكثيرُ في الوجهِ الثاني لجُمِع المتكأ ، وعلى هذا المعنى يُحمل قول الشاعر :

فإني وَجَدْتُ الضَّامِرينَ متاعُهمْ *** يَمُوْتُ ويَفْنَى فارْضِخِي مِنْ وعائيا

أي : رأيتُ كلَّ ضامرٍ ؛ ولذلك أَفْرَدَ الضميرَ في : " يموتُ ويَفْنى " ، ولمَّا كان المعنى : لا يَتَّخِذُ كلُّ واحدٍ منكم ، جاء " فَتَزِلَّ قَدَمٌ " ، مراعاةً لهذا المعنى ، ثم قال : وتَذُوقْوا ، مراعاةً للمجموع [ أو ] لِلَفْظِ الجمع على الوجهِ الكثيرِ إذا قلنا : إن الإِسنادَ لكل فردٍ فرد ، فتكون الآية قد تعرَّضتْ للنهي عن اتخاذ الأَيْمَانِ دَخَلاً باعتبار المجموعِ ، وباعتبارِ كل فردٍ فرد ، ودَلَّ على ذلك بإفراد " قَدَم " ، وبجَمْعِ الضمير في : " وتَذُوْقوا " .

قلت : وبهذا التقديرِ الذي ذكره الشيخ يفوتُ المعنى الجَزْلُ الذي اقتنصَه أبو القاسم مِنْ تنكير : " قَدَم " ، وإفرادها . وأمَّا البيتُ المذكورُ ، فإنَّ النَّحْويين خَرَّجوه على أن المعنى : يموت مَنْ ثُمَّ ، ومَنْ ذُكِرَ ، فأفرد الضميرَ لذلك لما لا لِما ذكر .