قوله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } : في هذه الباء ثلاثة أوجه أحدُها : أنها زائدةٌ في المفعول به لأن " ألقى " يتعدَّى بنفسه ، قال تعالى : { فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ }
حتى إذا أَلْقَتْ يداً في كافِرِ *** وأَجَنَّ عَوْراتِ الثغورِ ظلامُها
فزيدت الباءُ في المفعولِ كما زيدت في قوله :
وأَلْقى بكفَّيْهِ الفتى استكانَةً *** من الجوع وَهْناً ما يَمُرُّ وما يَحْلُو
وهذا قولُ أبي عبيدة ، وإليه ميلُ الزمخشري ، قال : " والمعنى : ولا تَقْبِضُوا التهلكة أيديكم ، أي : لا تَجْعلوها آخذةً بأيديكم مالكةً لكم " إلا أنه مردودٌ بأنَّ زيادةَ الباءِ في المفعولِ لا تَنْقاسُ ، إنما جاءتْ في الضرورة كقوله :
. . . . . . . . . . . . . . . . سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
الثاني : أنها متعلقةٌ بالفعلِ غيرُ زائدةٍ ، والمفعولُ محذوفٌ ، تقديرُه : ولا تُلْقوا أنفسكم بأيديكم ، ويكون معناها السبب كقولِك : لا تُفْسِدْ حالَك برأيك . الثالث : أن يضمَّن " ألقى " معنى ما يتعدَّى بالباء ، فيُعدَّى تعديته ، فيكونُ المفعول به في الحقيقة هو المجرورَ بالباء تقديره : ولا تُفْضوا بأيديكم إلى التهلكة ، كقولك : أَفْضَيْتُ بجَنْبي إلى الأرضِ أي : طَرَحْتُه على الأرض ، ويكونُ قد عَبَّرَ بالأيدي عن الأنفس ، لأنَّ بها البطشَ والحركةَ ، وظاهرُ كلام أبي البقاء فيما حكاه عن المبرد أن " ألقى " يتعدَّى بالباء أصلاً من غيرِ تضمينٍ ، فإنه قال : " وقال المبرد : ليست بزائدةٍ بل هي متعلقةٌ بالفعلِ كمَرَرْتُ بزيدٍ والأوْلى حَمْلُه على ما ذَكَرْتُ " .
والتَّهْلُكَةُ : مصدرٌ بمعنى الهَلاكِ ، يُقال : هَلَكَ يَهْلَكُ هُلْكاً وهَلاكاً وهَلْكاءَ على وزنِ فَعْلاء ومَهْلكاً ومَهْلكة مثلثَ العين وتَهْلُكَة . وقال الزمخشري " ويجوزُ أن يقال : أصلُها التَّهلِكة بكسر اللام كالتَّجْرِبة ، على أنه مصدرٌ من هلَّك - يعني بتشديد اللام - فَأُبْدِلَتِ الكسرةُ ضمة كالجِوار والجُوار " ، ورَدَّ عليه الشيخ بأنَّ فيه حَمْلاً على شاذ ودَعْوى إبدالٍ لا دليل عليها ، وذلك أنه جَعَله تَفْعِلة بالكسر مصدر فَعَّل بالتشديد ، ومصدرُه إذا كان صحيحاً غيرَ مهموزٍ على تَفْعيل ، وتَفْعِلة فيه شاذٌّ . وأمَّا تنظيرُه له بالجِوار والجُوار فليس بشيء ، لأن الضمَّ فيه شاذٌّ ، فالأَولى أن يقال : إنَّ الضمَّ أصلٌ غيرُ مُبْدَلٍ من كسر . وقد حكى سيبويه مِمَّا جاء من المصادر على ذلك التَضُرَّة والتَّسُرَّة . قال ابن عطية : " وقرأ الخليل التَّهْلِكة بكسر اللام وهي تَفْعِلة من هَلَّك بتشديد اللام " وهذا يَقَوِّي قولَ الزمخشري .
وزعم ثعلب أن " تَهْلُكَه " لا نظير لها ، وليس كذلك لِما حكى سيبويه . ونظيرها من الأعيان على هذا الوزن : التَّنْفُلة والتنصُبة .
والمشهورُ أنه لا فرقَ بين التَّهْلُكه والهَلاك ، وقال قومٌ : التَّهْلُكَة : ما أمكن التحرُّزُ منه ، والهَلاكُ ما لا يمكن . وقيل : هي نفسُ الشيء المُهْلِك . وقيل : هي ما تَضُرُّ عاقبتُه . والهمزة في " ألقى " للجَعلِ على صفة نحو : أَطْرَدْتُه أي : جعلتُه طريداً فيه ليست للتعدية لأنَّ الفعلَ متعدٍّ قبلَها ، فمعنى أَلْقيتُ الشيء جَعلْتُه لُقَىً فهو فُعَل بمعنى مَفْعول ، كما أن الطريد فَعِيل بمعنى مفعول ، كأنه قيل : لا تَجْعلوا أنفسكم لُقَىً إلى التهلُكَه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.