قوله تعالى : { وَالْعُمْرَةَ للَّهِ } : الجمهورُ على نصب " العمرة " على العطفِ على ما قبلها و " لله " متعلقٌ بأتِمُّوا ، واللامُ لامُ المفعولِ من أجله . ويجوزُ أن تتعلَّق بمحذوف على أنها حالٌ من الحج والعمرة ، تقديره : أتِمُّوها كائنين لله . وقرأ عليّ وابن مسعود وزيد بن ثابت : " والعمرةُ " بالرفع على الابتداء ، و " لله " الخبر ، على أنها جملةٌ مستأنفةٌ .
قوله : { فَمَا اسْتَيْسَرَ } ما موصولةٌ بمعنى الذي ، ويَضْعُفُ جَعْلُها نكرةً موصوفةً ، وفيها ثلاثةُ أقوالٍ ، أحدُها : أنها في محلِّ نصبٍ أي : فَلْيَهْدِ أو فلينْحَر ، وهذا مذهبُ ثعلب . والثاني : ويُعْزى للأخفش أنه مبتدأ والخبرُ محذوفٌ تقديرُه : فعليه ما استَيْسر . والثالث : أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ تقديرُه : فالواجبُ ما استَيْسر واستَيْسر هنا بمعنى يَسَر المجرد كصَعُب واستصعَبَ وغَنِيَ واستغنى ، ويجوزُ أن يكون بمعنى تَفَعَّل نحو : تكَّبر واستكبر ، وتَعَظَّم واستعظم . وقد تقدَّم ذلك في أولِ الكتاب .
والحَصْرُ : المَنْعُ ، ومنه قيل للمَلِك : الحَصِير ، لأنه ممنوعٌ من الناس ، وهل حُصِر وأُحْصِر بمعنىً أو بينهما فرقٌ ؟ خلافٌ بين أهلِ العلمِ . فقال الفراء والزجاج والشيباني إنهما بمعنىً ، يُقالان في المرضِ والعَدُوِّ جميعاً وأنشدوا :
وما هَجْرُ ليلى أَنْ تكونَ تباعَدَتْ *** عليكَ ولا أَنْ أَحْصَرَتْكَ شُغُولُ
وفَرَّق بعضُهم ، فقال الزمخشري : يقال : أُحْصِر فلانٌ إذا منعه أمرٌ من خوف أو مرض أو عجز ، قال تعالى : { الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }
[ البقرة : 273 ] ، وقال ابن ميادة : " وما هَجْرُ ليلى أن تكون تباعَدَتْ " ، وحُصِر إذا حبسه عدوٌّ أو سجن ، هذا هو الأكثرُ في كلامهم ، وهما بمعنى المنع في كل شيءثل : صَدَّه وأصدَّه ، وكذلك الفراء والشيباني ، ووافقه ابن عطية أيضاً فإنه قال : " والمشهورُ من اللغة : أُحْصِر بالمرضِ وحُصِر بالعَدُوِّ . وعكس ابن فارس في " مجمله " فقال " حُصِر بالمرضِ وأُحْصِر بالعَدُوّ " وقال ثعلب : " حُصِر في الحَبْسِ أقوى من أُحْصِر " ، ويقال : حَصِرَ صدرُه أي : ضاق ؛ ورجل حَصِر : لا يبوحُ بسرِّه ، قال جرير :
وَلَقَد تَكَنَّفني الوُشاةُ فصادَفُوا *** حَصِراً بسرِّك يا أُمَيْمَ حَصُورا
والحَصيرُ معروفٌ لامتناعِ بعضه ببعض ، والحصير أيضاً المِلك كما تقدَّم لاحتجابه . قال لبيد :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . جِنٌّ لدى باب الحصيرِ قِيامُ
قوله : { مِنَ الْهَدْيِ } فيه وجهان : أحدُهما : أن تكونَ " مِنْ " تبعيضيةً ويكونَ محلُّها النصبَ على الحال من الضمير المستتر في " اسْتَيْسر " العائدِ على " ما " أي : حالَ كَوْنِهِ بعض الهَدْي . والثاني : أن تكون " مِنْ " لبيان الجنس فتتعلَّقَ بمحذوفٍ أيضاً .
وفي الهَدْي قولان ، أحدُهما : أنه جمعُ هَدْيَة كجَدْي جمع جَدْيَة السَّرْج . والثاني : أن يكونَ مصدراً واقعاً موقع المفعول أي : المُهْدَى ، ولذلك يقعُ للأفرادِ والجمعِ .
قال أبو عمرو بن العلاء : " لا أعْرف لهذه اللفظة نظيراً " .
وقرأ مجاهد والزهري : " الهَدِيُّ " بتشديد الياء ، وفيها وجهان ، أحدهما : أن يكونَ جمع هَدِيَّة كمطيَّة ومطايا وركيَّة ورَكايا . والثاني : أن يكون فَعيلاً بمعنى مفعول نحو : قتيل بمعنى مَقْتُول .
و " مَحِلَّه " يجوز أَنْ يَكُونَ ظرفَ مكانٍ أو زمانٍ ، ولم يُقْرَأ إلاَّ بكسرِ الحاءِ فيما عَلِمْتُ إلاَّ أنه يجوزُ لغةً فتحُ حائِه إذا كان مكاناً . وفَرَّق الكسائي بينهما ، فقال : " المكسورُ هو الإِحلالُ من الإِحرامِ ، والمفتوحُ هو مكانُ الحلولِ من الإِحصار " .
وقيل : { مِنكُم } فيه وجهان ، أحدُهما : أن يكون في محلِّ نصبٍ على الحال من " مريضاً " ؛ لأنه في الأصل صفةٌ له ، فلمَّا قُدِّم عليه انتَصَبَ حالاً . وتكونُ " مِنْ " تبعيضيةً ، أي : فَمَنْ كان مريضاً منكم . والثاني : أجازه أبو البقاء أن يكونَ متعلِّقاً بمريضاً ، قال الشيخ : " وهو لا يكادُ يُعْقَلُ " . " ومَنْ " يجوز أنْ تكونَ شرطيةً وأَنْ تكونَ موصولةً .
قوله : { أَوْ بِهِ أَذًى } يجوز أَنْ يكونَ هذا من بابِ عَطْفِ المفرداتِ وأن يكون من بابِ عطفِ الجمل : أما الأولُ فيكونُ " به " هذا الجَارُّ والمجرور معطوفاً على " مريضاً " الذي هو خبرُ كان ، فيكونُ في محلِّ نصبٍ . ويكونُ " أذىً " مرفوعاً به على سبيلِ الفاعليةِ ، لأنَّ الجارَّ إذا اعتمد رَفَع الفاعل عند الكل ، فيصيرُ التقديرُ : فَمَنْ كان كائناً به أذى من رأسِهِ . وأما الثاني فيكونُ " به " خبراً مقدَّماً ، ومحلُّه على هذا رَفْعٌ ، وفي الوجهِ الأولِ كان نصباً ، و " أذىً " مبتدأٌ مؤخَّرٌ ، وتكونُ هذه في محلِّ نصبٍ لأنها عَطفٌ على " مريضاً " الواقع خبراً لكان ، فهي وإنْ كانَتْ جملةً لفظاً فهي في محلِّ مفردٍ ، إذ المعطوفُ على المفردِ مفردٌ ، لا يقال : إنه عاد إلى عطفِ المفرداتِ فيتَّحِدُ الوجهانِ لوضوحِ الفرقِ . وأجازوا أن يكونَ " أذى " معطوفاً على إضمارِ " كان " لدلالةِ " كانَ " الأولى عليها ، وفي اسمِ " كان " المحذوفَةِ حنيئذٍ احتمالان ، أحدُهما : أن يكونَ ضميرَ " مَنْ " المتقدمة ، فيكونُ " به " خبراً مقدماً ، و " أذى " مبتدأ مؤخراً ، والجملةُ في محلِّ نصبٍ خبراً لكان المضمرةِ . والثاني : أن يكونَ " أذى " ، و " به " خبرَها ، قُدِّم على اسمِها .
وأجاز أبو البقاء أن يكونَ " أو به أذى " معطوفاً على " كان " ، وأَعْرَبِ " به " خبراً مقدماً متعلِّقاً بالاستقرارِ ، و " أذى " مبتدأ مؤخراً ، والهاءُ في " به " عائدةٌ على مَنْ . وهذا الذي قاله خَطَّأَهُ الشيخُ فيه ، قال : " لأنه كان قد قَدَّمَ أن " مَنْ " شرطيةُ ، وعلى هذا التقدير يكون خطأ ، لأن المعطوفَ على جملةِ الشرط شرطٌ والجملةُ الشرطيةُ لا تكونُ إلا فعليةً ، وهذه كما ترى جملةُ اسميةٌ على ما قَرَّرَهُ .
فكيف تكونُ معطوفةً على جملةِ الشرطِ التي يجِبُ أن تكونَ فعليةً ؟ فإنْ قيل : فإذا جَعَلْنَا " مَنْ " موصولةً فهل يَصِحُّ ما قاله من كون " به أذى " معطوفاً على " كان " ؟ فالجوابُ أنه لا يَصِحُّ أيضاً ؛ لأنَّ " مَنْ " الموصولةَ إذا ضَمِّنَتْ معنى اسم الشرطَ لزِمَ أن تكونَ صلتُها جملةً فعليةً أو ما هي في قوتها " . والباءُ في " به " يجوزُ فيها وجهان ، أحدُهما : أن تكونَ للإِلصاق ، والثاني : أن تكونَ ظرفيةً .
قولُهُ : { مِّن رَّأْسِهِ } فيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه في محلِّ رفع لأنه صفةٌ لأذى ، أي أذى كائنٌ من رأسِهِ . والثاني : أن يتعلَّق بما يتعلَّقُ " به " من الاستقرارِ ، وعلى كلا التقديرين تكونُ " مِنْ " لابتداءِ الغاية .
قوله : { فَفِدْيَةٌ } في رفعها ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أن تكونَ مبتدأً والخبرُ محذوفٌ ، أي : فعليه فديةٌ . والثاني : أنْ تكونَ خبرَ مبتدأ محذوف أي : فالواجبُ عليه فديةٌ . والثالثُ : أن يكونَ فاعلَ فعلٍ مقدَّر أي : فَتَجِبُ عليه قديةُ . وقُرىء شاذاً : " فَفِدْيَةً " نصباً ، وهي على إضمارِ فعلٍ أي : فَلْيَفْدِ فديةً . و " مِنْ صيام " في محلِّ رفعٍ أو نصبٍ على حسب القراءتين صفةً ل " فدية " ، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ ، و " أو " للتخيير ، ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ فعلٍ قبلَ الفاء تقديرهُ : فَخَلقَ فَفِدْيَة .
وقرأ الحسنُ والزهري " نُسْك " بسكون السين ، وهو تخفيفُ المضموم . والأذى مصدرٌ بمعنى الإِيذاء وهو الألمُ ، يقال : آذاه يُؤْذِيه إيذاءً وأذى ، فكأنَّ الأذى مصدرٌ على حَذْفِ الزوائد أواسمُ مصدرٍ كالعطاء اسم للإِعطاء ، والنبات للإِنبات .
وفي النُّسُك قولان ، أحدُهما : أنه مصدرٌ يقال : نَسَكَ ينسُك نُسْكاً ونُسُكاً بالضم ، والإِسكان كما قرأه الحسن . والثاني : أنه جمع نَسِيكة ، قال ابن الأعرابي : " النَّسيكة في الأصل سَبيكة الفضة ، وتُسَمَّى العبادةُ بها لأنَّ العبادة مُشْبِهَةٌ سبيكة الفِضَّة في صفائها وخُلوصِها من الآثام ، وكذلك سُمِّي العابدُ ناسكاً ، وقيل للذَّبِيحة " نَسِيكة " لذلك " .
قوله : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } الفاءُ عاطفةٌ على ما تقدَّم ، و " إذا " منصوبةٌ بالاستقرار المحذوفِ ؛ لأنَّ التقديرَ : فعليه ما اسْتَيْسَرَ ، أي . فاستقرَّ عليه ما استيسر .
وقوله : { فَمَن تَمَتَّعَ } الفاءُ جوابُ الشرطِ بإذا ، والفاءُ في قولِهِ : " فما استيْسَرَ " جوابُ الشرطِ الثاني . ولا نعلمُ خلافاً أنه يقعُ الشرطُ وجوابُهُ جواباً لشرطٍ آخرَ مع الفاءِ . وقد تقدَّم الكلامُ في " فما استَيْسَرَ " / فأغنى عن إعادته .
قوله : { فَصِيَامُ } في رفعِه الأوجهُ الثلاثةُ المذكورةُ في قولِهِ : " فَفِدْيَةٌ " .
وقرىء " فصيام " نصباً ، على تقديرِ فَلْيَصُمْ ، وأُضيف المصدرُ إلى ظَرْفِهِ معنىً ، وهو في اللفظِ مفعولٌ به على السَّعِةِ . و " في الحج " متعلقٌ بصيام . وقَدَّر بعضُهم مضافاً أي : في وقتِ الحَجِّ . ومنهم مَنْ قَدَّر مضافين ، أي : وقتَ أفعالِ الحَجِّ ، ومنهم مَنْ قَدَّره ظَرفَ مكانٍ أي : مكانَ الحج ، ويترتَّب على ذلك أحكامٌ .
قوله : { وَسَبْعَةٍ } الجمهورُ على جَرِّ " سبعة " عطفاً على ثلاثة . وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة : " وسبعةً " بالنصب . وفيها تخريجان ، أحدهما : قاله الزمخشري وهو أن يكون عطفاً على محلَّ " ثلاثة " كأنه قيل : فصيامُ ثلاثة ، كقوله : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } [ البلد : 14 ، 15 ] ، يعني أن المضافَ إليه المصدرُ منصوبٌ معنى بدليلِ ظهورِ عملِ المُنَوَّنِ النصبَ في " يتيماً " . والثاني : أن ينتصبَ بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه : " فَلْيَصُومُوا " ، قال الشيخ : " وهذا مُتَعَيَّنٌ ، لأنَّ العطفَ على الموضعِ يُشْتَرَطُ فيه وجودُ المُحْرِزِ " يعني على مذهب سيبويه .
قوله : { إِذَا رَجَعْتُمْ } منصوبٌ بصيام أيضاً ، وهي هنا لِمَحْضِ الظرفِ ، وليس فيها معنى الشرط . لا يقال : يَلْزَمُ أن يعملَ عامِلٌ واحدٌ في ظرفي زمان ، لأنَّ ذلك جائزٌ مع العطفِ والبدلِ ، وهنا يكونُ عَطَفَ شيئين على شيئين ، فَعَطَفَ " سبعةٍ " على " ثلاثة " وعطف " إذا " على " في الحج " .
وفي قوله : { رَجَعْتُمْ } شيئان : أحدُهما التفاتٌ ، والآخرُ الحَمْلُ على المعنى ، أمَّا الالتفاتُ : فإنَّ قبلَه " فَمَنْ تَمَتَّعَ فَمَنْ لَم يَجِدُ " فجاء بضمير الغَيْبَةِ عائداً على " مَنْ " ، فلو سيق هذا على نظم الأولِ لقيل : " إذا رجع " بضميرِ الغَيْبَةِ . وأمَّا الحملُ : فلأنه أتى بضميرِ جمعٍ اعتباراً بمعنى " منْ " ، ولو راعى اللفظَ لأفردَ ، فقال : " رَجَعَ " .
وقوله : { تِلْكَ عَشَرَةٌ } مبتدأ وخبرٌ ، والمشارُ إليه هي السبعةُ والثلاثةُ ، ومميِّزُ السبعةِ والعشرةِ محذوفٌ للعلمِ به . وقد أثبت تاءَ التأنيثِ في العددِ مع حَذْفِ التمييزِ ، وهو أحسنُ الاستعمالَيْنِ ، ويجوزُ إسقاطُ التاءِ حينئذٍ ، وفي الحديث : " وأَتْبَعَهُ بستٍ من شوال " ، وحكى الكسائي : " صُمْنَا من الشهرِ خمساً "
في قوله : { تِلْكَ عَشَرَةٌ } - مع أن من المعلوم أن الثلاثةَ والسبعة عشرة - أقوالٌ كثيرةٌ لأهلِ المعاني ، منها قولُ ابن عرفة : " العرب إذا ذكرت عددين ، فمذهبُهم أن يُجملوهما " ، وحَسَّن هذا القولَ الزمخشري بأَنْ قال : " فائدةُ الفَذْلَكَةِ في كل حساب أن يُعْلَمَ العددُ جملةً كام يُعْلَمُ تفصيلاً ، لِيُحْتَاط به من جهتين فيتأكَّد العِلمُ ، وفي أمثالهم " علمان خيرٌ من علم " . قال ابن عرفة : " وإنما تَفْعَلُ العربُ ذلك لأنَّها قليلةُ المعرفة بالحساب ، وقد جاء : " لا نَحْسُب ولا نكتُب "
، وَوَرَدَ ذلك في أشعارِهِم ، قال النابغة :
تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفَتُها *** لستةِ أيامٍ وذا العامُ سابعُ
ثلاثٌ واثنتان فَهُنَّ خَمْسٌ *** وسادسةٌ تَميلُ إلى شَمَام
ثلاثٌ بالغَدَاةِ فَهُنَّ حَسْبي *** وسِتٌّ حين يُدْرِكُني العِشاءُ
فذلك تِسْعَةٌ في اليومِ رِيِّي *** وشُرْبُ المرءِ فَوْقَ الرَّيِّ داءُ
فَسِرْتُ إليهمُ عِشْرِينَ شهراً *** وأربعةً فذلك حِجَّتانِ
وعن المبرد : " فتلك عشَرَةٌ : ثلاثةٌ في الحج وسبعةٌ إذا [ رجعتم ] فَقَدَّم وأخَّر " ، ومثله لا يَصِحُّ عنه . وقال ابن الباذش : " جيء بعشرة توطئةً للخبرِ بعدها ، لا أنها هي الخبرُ المستقلُّ بفائدةِ الإِسناد كما تقول : " زيدٌ رجل صالح " يعني أن المقصودَ الإِخبارُ بالصلاح ، وجيء برجلٍ توطئةً ، إذ معلومٌ أنه رجل . وقال الزجاج " جَمَعَ العدَدَيْنِ لجوازِ أن يُظَنَّ أنَّ عليه ثلاثةً أو سبعةً ؛ لأنَّ الواوَ قد تقوم مَقامَ أو ، ومنه : { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }
[ النساء : 3 ] فأزال احتمالَ التخيير ، وهذا إنما يتمشَّى عند الكوفيين ، فإنهم يُقيمون الواوَ مُقامَ أو . وقال الزمخشري : " الواوُ قد تجيء للإِباحةِ في قولِك : " جالس الحسنَ ابن سيرين " ألا ترى أنه لو جالَسَهما معاً أو أحدَهما كان ممتثلاُ فَفُذْلِكَتْ نفياً لِتَوَهُّم الإِباحة " قال الشيخ : " وفيه نظرٌ لأنه لا تُتَوَهَّمُ الإِباحه ، فإنَّ السياق سياقُ إيجاب ، فهو ينافي الإِباحة ، ولا ينافي التخييرَ ، فإن التخييرَ يكون في الواجبات ، وقد ذكر النحويون الفرقَ بين التخييرِ والإِباحةِ " .
قوله : { ذلِكَ لِمَن } " ذلك " مبتدأٌ ، والجارُّ بعدَه الخبرُ . وفي اللامِ قولان ، أحدُهما : أنَّها على بابِها ، أي ذلك لازمٌ لِمَنْ . والثاني : أنها بمعنى على ، كقولِهِ : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ } ، [ البقرة : 161 ] ولا حاجةَ إلى هذا . و " مَنْ " يجوز أن تكونَ موصولةً وموصوفةً . و " حاضري " خبرُ " يكن " وحُذِفَت نونُه للإِضافة و " شديدُ العقاب " من باب إضافةِ الصفةِ المشبهة إلى مرفوعها ، وقد تقدَّم أن الإِضافة لا تكون إلا مِنْ نَصْبِ ، والنصبُ والإِضافةُ أبلغُ من الرفعِ ؛ لأن فيها إسنادَ الصفةِ للموصوفِ ثم ذكر مَنْ هي له حقيقةٌ ، والرفعُ إنما فيه إسنادُها لمَنْ هي له حقيقةٌ ، دونَ إسنادٍ إلى موصوف .