الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ} (131)

قوله : { أَزْوَاجاً } : في نصبِه وجهان ، أحدهما : أنه منصوبٌ على المفعولِ به وهو واضح . والثاني : أنه منصوبٌ على الحالِ من الهاء في " به " . راعى لفظَ " ما " مرةً ، ومعناها أخرى ، فلذلك جَمَع . قال الزمخشري : " ويكون الفعلُ واقعاً على " منهم " . قال الزمخشري : " كأنه قيل : إلى الذي مَتَّعْنا به وهو أصنافُ بعضِهم وناساً منهم " .

قوله : { زَهْرَةَ } في نصبه تسعة أوجه ، أحدُها : أنه مفعولٌ ثانٍ لأنه ضَمَّن مَتَّعْنا معنى أَعْطَيْنا . ف " أزواجاً " مفعولٌ أولُ ، و " زهرةَ " هو الثاني . الثاني : أن يكونَ بدلاً من " أَزْواجاً " ، وذلك : إمَّا على حَذْفِ مضافٍ أي : ذوي زهرة ، وإمَّا على المبالغةِ جُعِلوا نفسَ الزهرة . الثالث : أن يكونَ منصوباً بفعلٍ مضمرٍ دَلَّ عليه " مَتَّعْنا " تقديرُه : جَعَلْنا لهم زهرةً . الثالث : نَصْبُه على الذَّمِّ ، قال الزمخشري : " وهو النصبُ على الاختصاص " . الرابع : أن يكونَ بدلاً من موضعِ الموصولِ . قال أبو البقاء : " واختاره بعضُهم . وقال آخرون : لا يجوزُ لأنَّ قولَه { لِنَفْتِنَهُمْ } مِنْ صلة " مَتَّعْنا " فيلزمُ الفصلُ بين الصلةِ والموصولِ بالأجنبي " . وهو اعتراضٌ حسنٌ .

الخامس : أن ينتصبَ على البدلِ من محلِّ " به " . السادس : أن ينتصِبَ على الحال مِنْ " ما " الموصولةِ . السابع : أنه حالٌ من الهاء في " به " وهو ضميرُ الموصولِ فهو كالذي قبله في المعنى ، فإنْ قيل : كيف تقع الحالُ معرفةً ؟ فالجوابُ أن تجعلَ " زهرةَ " منونةً نكرة ، وأنما حُذِفَ التنوينُ لالتقاء الساكنين نحو :

3330 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولا ذاكرَ اللَّهَ إلاَّ قليلا

وعلى هذا : فيم جُرَّتِ الحياة ؟ فقيل : على البدل مِنْ " ما " الموصولة . الثامن : أنه تمييزٌ ل " ما " أو للهاءِ في " به " قاله الفراء . وقد رَدُّوه عليه بأنه معرفةٌ ، والمميِّزُ لا يكون معرفة . وهذا غيرُ لازمٍ له ؛ لأنه يجوزُ تعريفُ التمييز على أصول الكوفيين .

التاسع : أنه صفةٌ ل " أَزْواجاً " بالتأويلين المذكورَيْن في نصبِه حالاً . وقد منع أبو البقاء من هذا الوجهِ بكونِ الموصوفِ نكرةً ، والوصفِ معرفةً ، وهذا يُجابُ عنه بما أُجيب في تسويغِ نصبهِ حالاً ، أعني حذفَ التنوينِ لالتقاءِ الساكنين .

والعامَّةُ على تسكينِ الهاء . وقرأ الحسن وأبو البرهسم وأبو حيوةَ بفتحِها ، فقيل : بمعنى ، ك جَهْرَة وجَهَرَة . وأجاز الزمخشري أَنْ يكونَ جمعَ زاهر كفاجِر وفَجَرة وبارّ وبَرَرَة ، وروى الأصمعي عن نافع " لنُفْتِنَهم " بضمِّ النون مِنْ أَفْتَنَه إذا أوقعه في الفتنةِ .

والزَّهْرَةُ : بفتحِ الهاء وسكونِها كنَهْر ونَهَر ، ما يَرُوْقُ من النَّوْر . وسِراجٌ زاهِرٌ لبريقِه ، ورجلٌ أزهرُ وأمرأةٌ زهراءُ من ذلك . والأنجمُ الزهرُ هي المضيئةُ .