الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ بَل رَّبُّكُمۡ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۠ عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (56)

قوله : { الَّذِي فطَرَهُنَّ } : يجوزُ أَنْ يكونَ مرفوعَ الموضعِ ، أو منصوبَه على القطع . والضميرُ المنصوبُ في " فَطَرَهُنَّ " للسماواتِ والأرض . قال الشيخ : " ولَمَّا لم تكنْ السماواتُ والأرضُ تبلُغُ في العددِ الكَثيرِ منه جاء الضميرُ ضميرَ القلة " . قلت : إنْ عَنَى لم يَبْلُغْ كلُّ واحدٍ من السماواتِ والأرض فمُسَلَّم ، ولكنه غيرُ مرادٍ بل المرادُ المجموعُ . وإنْ عَنَى لم يبلُغْ المجموعُ منهما فغيرُ مُسَلَّمٍ ؛ لأنه يبلغ أربعَ عشرةَ ، وهو في حَدّ جمع الكثرةِ ، اللهم إلاَّ أَنْ نقولَ : إنَّ الأرضَ شخصٌ واحدٌ ، وليسَتْ بسبعٍ كالسماءِ على ما رآه بعضُهم فَيَصِحُّ له ذلك ولكنه غيرُ مُعَوَّلٍ عليه .

وقيل : على التماثيل . قال الزمخشري : " وكونُه للتماثيل أثبتُ لتَضْليلِهم ، وأدخلُ في الاحتجاجِ عليهم " . وقال ابن عطية : فَطَرَهُنَّ عبارةٌ عنها كأنها تَعْقِلُ ، وهذه من حيث لها طاعةٌ وانقيادٌ ، وقد وُصِفَتْ في مواضعَ بوَصْفِ مَنْ يَعْقِلُ " . وقال غيرُه : " فَطَرَهُنَّ : أعادَ ضميرَ مَنْ يَعْقِلُ لَمَّا صَدَرَ منهنَّ من الأحوالِ التي تَدُلُّ على أنَّها من قبيل مَنْ يَعْقِلُ ؛ فإنَّ اللهَ تعالى أخبر بقولِه : { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] . وقوله عليه السلام : " أطَّتِ السماءُ وحُقَّ لها أَنْ تَئِطَّ " .

قلت : كأنَّ ابنَ عطيةَ وهذا القائلَ تَوَهَّما أن " هُنَّ " ، من الضمائرِ المختصةِ بالمؤنثات العاقلاتِ ، وليس كذلك بل هو لفظٌشتركٌ بين العلاقاتِ وغيرها . قال تعالى : { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } [ التوبة : 36 ] ثم قال تعالى : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ } .

قوله : { عَلَى ذلِكُمْ } متعلقٌ بمحذوفٍ ، أو ب " الشاهدين " اتساعاً ، أوعلى البيان . وقد تقدَّم نظيرُه نحو : { لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] .