فأجابهم بقوله -عليه السلام-{[28696]}
{ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض } الآية{[28697]} . قوله «بالحَقِّ » متعلق ب «جئت » ، وليس المراد به{[28698]} حقيقة المجيء إذ لم يكن غائباً{[28699]} . و «أَمْ أَنْتَ » «أَمْ » متصلة{[28700]} وإن كان بعدها جملة ، لأنها في حكم المفرد إذ التقدير : أي الأمرين واقع مجيئك بالحق أم لعلك كقوله :
3725- ما أُبَالِي أَنَبَّ بِالحَزْنِ تَيْسٌ *** أَمْ لَحَانِي{[28701]} بِظَهْرٍ غَيْبٍ لَئِيمُ{[28702]}
وقوله{[28703]} :
3726- لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي ، وَإِنْ كُنْتَ دَارِياً *** شُعَيْثُ بنُ سَهْمٍ أَمْ شُعَيْثُ بْنُ مِنْقَرِ{[28704]}
يريد : أي الأمرين واقع ، ولو كانت منقطعة لَقُدِّرَتْ ب ( بل ) والهمزة وليس ذلك مراداً . قوله : «الذي فَطَرَهُنَّ » يجوز أن يكون مرفوع الموضع أو منصوبه على القطع . والضمير المنصوب في «فَطَرَهُنَّ » للسموات والأرض{[28705]} . قال أبو حيان : ولما لم تكن السموت والأرض تبلغ في العدد الكثير منه جاء الضمير ضمير القلة{[28706]} . قال شهاب الدين : إن عنى لم تبلغ كل واحد من السموات والأرض فمسلم ولكنه غير مراد ، بل المراد المجموع ، وإن عنى لم تبلغ المجموع منهما فغير مسلم ، لأنه يبلغ أربع عشرة ، وهو فوق حد جمع الكثرة ، اللهم إلاَّ أنْ نقول{[28707]} : إنَّ الأرض شخص واحد وليست بسبع كالسماء على ما رآه بعضهم ، فيصح له ذلك ، ولكنه غير معول عليه{[28708]} . وقيل : على التماثيل{[28709]} .
قال الزمخشري : وكونه للتماثيل أثبت لتضليلهم وأدخل في الاحتجاج عليهم{[28710]} .
وقال ابن عطية : «فَطَرَهُنَّ » عبارة عنها كأنها تعقل ، وهذا من حيث لها طاعة وانقياد ، وقد وصفت في مواضع بوصف من يعقل . وقال غيره : «فَطَرَهُنَّ » أعاد ضمير من يعقل لما صدر منهن من الأحوال التي تدل على أنهما من قبيل مَنْ يعقل{[28711]} ، فإنَّ الله تعالى أخبر بقوله : { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ }{[28712]} وقوله -عليه السلام-{[28713]} «أطّتِ السماءُ وحقَّ لها أن تَئِطّ{[28714]} »{[28715]} قال شهاب الدين : كأنَّ ابن عطية وذا القائل توهما أنَّ ( هُنَّ ) من الضمائر المختصة بالمؤنثات العاقلات ، وليس كذلك بل هو لفظ مشترك بين العاقلات وغيرها قال تعالى : { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ }{[28716]} ثم قال تعالى : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ{[28717]} {[28718]} } .
قوله : { عَلَى ذَلِكُمْ } متعلق بمحذوف{[28719]} أو ب «الشَّاهدِينَ » اتساعاً{[28720]} ، أو على البيان{[28721]} ، وقد تقدم نظيره نحو { لَكُمَا لَمِنَ{[28722]} الناصحين{[28723]} } .
فصل{[28724]}
اعلم أنَّ القوم لمَّا أوهموه أنه كالمازح في ما خاطبهم به أمر أصنامهم أظهر ذلك بالقول أولاً ثم بالفعل ثانياً . أمَّا القول فهو قوله : { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض } وهذا يدل على أنَّ الخالق الذي خلقها لمنافع العباد هو الذي يحسن أن يعبد لأن القادر على ذلك هو الذي يقدر على الضرر والنفع ، وهذه الطريقة هي نظير قوله : { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ{[28725]} وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً }{[28726]} ، ثم قال : { وَأَنَاْ على ذلكم مِّنَ الشاهدين } أي : على أنه لا إله إلا الذي يستحق العبادة إلا هو . وقيل : { مِّنَ الشاهدين } على أنه خالق السموات والأرض .
وقيل : إنِّي قادر على إثبات ما ذكرته بالحجة ، وإني لست مثلكم أقول{[28727]} ما لا أقدر على إثباته بالحجة ، ولم تزيدوا على أنكم وجدتم عليه آباءكم . وقيل : المراد منه المبالغة في التأكيد والتحقيق ، كقول الرجل إذا بالغ في مدح آخر أو ذمه : أشهد أنه كريم أو ذميم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.