البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ بَل رَّبُّكُمۡ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۠ عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (56)

ثم أضرب عن قولهم وأخبر عن الجد وأن المالك لهم والمستحق العبادة هو ربهم ورب هذا العالم العلوي والعالم السفلي المندرج فيه أنتم ومعبوداتكم نبه على الموجب للعبادة وهو منشىء هذا العالم ومخترعه من العدم الصرف .

والظاهر أن الضمير في { فطرهن } عائد على السموات والأرض ، ولما لم تكن السموات والأرض تبلغ في العدد الكثير منه جاء الضمير ضمير القلة .

وقيل في { فطرهن } عائد على التماثيل .

قال الزمخشري : وكونه للتماثيل أدخل في تضليلهم وأثبت للاحتجاج عليهم انتهى .

وقال ابن عطية : { فطرهن } عبارة عنها كأنها تعقل ، هذه من حيث لها طاعة وانقياد وقد وصفت في مواضع بما يوصف به من يعقل .

وقال غير { فطرهن } أعاد ضمير من يعقل لما صدر منهن من الأحوال التي تدل على أنها من قبيل من يعقل ، فإن الله أخبر بقوله { قالتا أتينا طائعين } وقوله صلى الله عليه وسلم : « أطلت السماء وحق لها أن تئط » انتهى .

وكأن ابن عطية وهذا القائل تخيلاً أن هن من الضمائر التي تخص من يعقل من المؤنثات وليس كذلك بل هو لفظ مشترك بين من يعقل وما لا يعقل من المؤنث المجموع ومن ذلك قوله { فلا تظلموا فيهن أنفسكم } والضمير عائد على الأربعة الحرم ، والإشارة بقوله : { ذلكم } إلى ربوبيته تعالى ووصفه بالاختراع لهذا العالم و { من } للتبعيض أي الذين يشهدون بالربوبية كثيرون ، وأنا بعض منهم أي ما قلته أمر مفروغ منه عليه شهود كثيرون فهو مقال مصحح بالشهود .

و { على ذلكم } متعلق بمحذوف تقديره { وأنا } شاهد { على ذلكم من الشاهدين } أو على جهة البيان أي أعني { على ذلكم } أو باسم الفاعل وإن كان في صلة أل لاتساعهم في الظرف والمجرور أقوال تقدمت في { إني لكما لمن الناصحين } وبادرهم أولاً بالقول المنبه على دلالة العقل فلم ينتفعوا بالقول .