إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ بَل رَّبُّكُمۡ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۠ عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (56)

{ قَالَ } عليه السلام إضراباً عما بنَوا عليه مقالتَهم من اعتقاد كونِها أرباباً لهم كما يُفصح عنه قولُهم : نعبدُ أصناماً فنظل لها عاكفين ، كأنه قيل : ليس الأمر كذلك { بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ } وقيل : هو إضرابٌ عن كونه لاعباً بإقامة البرهانِ على ما ادّعاه ، وضميرُ هن للسموات والأرض ، وصَفه تعالى بإيجادهن إثرَ وصفِه تعالى بربوبيته تعالى لهن تحقيقاً للحق وتنبيهاً على أن ما لا يكون كذلك بمعزل من الربوبية ، أي أنشأهن بما فيهن من المخلوقات التي من جملتها أنتم وآباؤكم وما تعبدونه من غير مثال يَحتذيه ولا قانونٍ ينتحيه ، ورجْعُ الضمير إلى التماثيل أدخلُ في تضليلهم وأظهرُ في إلزام الحجة عليهم لما فيه من التصريح المغني عن التأمل في كون ما يعبُدونه من جملة المخلوقات { وَأَنَاْ على ذلكم } الذي ذكرتُه من كون ربكم ربَّ السماوات والأرض فقط دون ما عداه كائناً ما كان { مّنَ الشاهدين } أي العالِمين به على سبيل الحقيقةِ المُبرهنين عليه فإن الشاهدَ على الشيء مَنْ تحققه وحقّقه ، وشهادتُه على ذلك إدلاؤه بالحجة عليه وإثباتُه بها ، كأنه قال : وأنا أبين ذلك وأبرهن عليه .