الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

قوله : { وَأَلْقِ } : عطفٌ على ما قبلَه من الجملةِ الاسميةِ الخبريةِ . وقد تقدَّم أنَّ سيبويهِ لا يَشْترط تناسُبَ الجملِ ، وأنه يُجيز " جاء زيدٌ ومَنْ أبوك " وتقدَّمت أدلَّتُه في أول البقرة . وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ علامَ عَطَفَ قولَه : { وَأَلْقِ عَصَاكَ } ؟ قلت : على قولِه " بُورِكَ " لأنَّ المعنى : نُوْدِيَ أَنْ بُورِكَ . وقيل له : أَلْقِ عَصاك . والدليلُ على ذلك قولُه : " وأَنْ أَلْقِ عَصاك " بعد قولِه " يا موسى إنَّه أنا اللهُ " على تكريرِ حرفِ التفسيرِ كما تقول : " كتبْتُ إليه أَنْ حُجَّ واعْتَمِرْ " وإنْ شِئْتَ : أَنْ حُجَّ وأَنِ اعْتَمِرْ " . قال : الشيخ : " وقولُه : " إنه معطوفٌ على " بُورِكَ " منافٍ لتقديرِه " وقيل له : " أَلْقِ عصاك " لأَنَّ هذه جملةٌ معطوفةٌ على " بُورِكَ " وليس جُزْؤها الذي هو معمول " وقيل " معطوفاً على " بُورِكَ " ، وإنما احتاج إلى تقديرِ " وقيل له : أَلْقِ " لتكونَ جملةً خبريةً مناسِبَةً للجملةِ الخبريةِ التي عُطِفَتْ عليها . كأنه يَرَى في العطفِ تناسُبَ الجملِ المتعاطفةِ . والصحيحُ أنَّه لا يُشْتَرَطُ ذلك " ثم ذكرَ مذهبَ سيبويه .

قوله : { تَهْتَزُّ } جملةٌ حاليةٌ مِنْ هاء " تَراها " لأنَّ الرؤيةَ بَصَرِيَّةٌ .

قوله : { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً ثانيةً ، وأَنْ تكونَ حالاً من ضمير " تَهْتَزُّ " فتكونَ حالاً متداخلةً . وقرأ الحسن والزهري وعمرو بن عبيد " جَأَنٌّ " بهمزةٍ مكانَ الألفِ ، وتقدَّم تقريرُ هذا في آخرِ الفاتحةِ عند

{ وَلاَ الضَّآلِّينَ } [ الفاتحة : 7 ] .

قوله : { وَلَمْ يُعَقِّبْ } يجوز أن يكونَ عطفاً على " وَلَّى " ، وأَنْ يكونَ حالاً أخرى . والمعنى : لم يَرْجِعْ على عَقِبِه . كقوله :

فما عَقَّبوا إذ قيلَ : هل مَنْ مُعَقِّبٍ *** ولا نَزَلُوا يومَ الكَريهةِ مَنْزِلا