الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ قَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ وَقَعَدُواْ لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْۗ قُلۡ فَٱدۡرَءُواْ عَنۡ أَنفُسِكُمُ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (168)

قوله تعالى : { الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ } : جَوَّزوا في موضع " الذين " الألقابَ الثلاثة : الرفعَ والنصبَ والجرَّ ، فالرفعُ من ثلاثة أوجه ، أحدها : أَنْ يكونَ مرفوعاً على خبرِ مبتدأ محذوف تقديره : هم الذين . الثاني : أنه بدل من واو " يكتمون " . الثالث : أنه مبتدأ ، والخبرُ قولُه : { قُلْ فَادْرَءُوا } ولا بد من حَذْفِ عائدٍ تقديرُه : قل لهم فادرؤوا . والنصبُ من ثلاثة أوجه أيضاً ، أحدُها : النصبُ على الذم أي أذُمُّ الذين قالوا . والثاني : أنه بدل من " الذين نافقوا " الثالث : أنه صفةٌ لهم . والجَرُّ من وجهين : البدل من الضميرِ في " بأفواهِهم " ، أو من الضمير في " قلوبِهم " كقولِ الفرزدق :

على حالةٍ لو أنَّ في القومِ حاتماً *** على جودِه لضنَّ بالماءِ حاتمِ

بجر " حاتم " على أنه بدلٌ من الهاءِ في " جوده " ، وقد تقدَّم الخلافُ في هذه المسألة .

وقال الشيخ : وجَوَّزوا في إعرابِ " الذين " وجوهاً : الرفع على النعت ل " الذين نافقوا " ، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أو على أنه بدل من الواو في " يكتمون " ، والنصبُ فذكره إلى أخره . وهذا عجيبٌ منه لأنَّ " الذين نافقوا " منصوبٌ بقوله " وليعلَم " ، وهم في الحقيقة عَطْفٌ على " المؤمنين " ، وإنما كَرَّر العاملَ توكيداً ، والشيخُ لا يَخْفى عليه ما هو أشكلُ من هذا ، فيُحتمل أن يكونَ تبع غيره في هذا السهو ، وهو الظاهر في كلامه ، ولم يَنْظُر في الآية اتكالاً على ما رآه منقولاً ، وكثيراً ما يقع الناس فيه ، وأَنْ يُعْتَقَدَ أنَّ " الذين " فاعلٌ بقوله : " وليعلَم " أي : " فَعَلَ الله ذلك ليَعْلم هو المؤمنين وليَعْلم المنافقون " ولكنَّ مثل هذا لا ينبغي أن يجوزَ البتة .

قوله : { وَقَعَدُواْ } يجوز في هذه الجملة وجهان أحدهما : أن تكون حالية من فاعل " قالوا " و " قد " مرادةٌ ، أي : وقد قعدوا ، ومجيء الماضي حالاً بالواو وقد ، أو بأحدهما ، أو بدونهما ثابتٌ من لسان العرب . والثاني : أنها معطوفةٌ على الصلةِ فتكونُ معترضةً بين " قالوا " ومعمولِها وهو " لو أطاعونا " .