الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} (173)

قوله تعالى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ } : فيه من الأوجه ما تقدم في " الذين " قبله ، إلاَّ في رفعه بالابتداء .

قوله : { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } في فاعلِ " زاد " ثلاثة أوجه ، أظهرها : أنه ضمير يعود على المصدر المفهوم من " قال " أي : فزادهم القولُ بكيت وكيت إيماناً نحو : { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [ المائدة : 8 ] . والثاني : أنه يعودُ على المقولِ الذي هو { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } كأنه قيل : قالوا لهم هذا الكلامَ فزادهم إيماناً . الثالث : أنه يعود على الناس ، إذ أريد واحدٌ فردٌ كما نقل في القصة ، وسبب النزول وهو نُعَيْم بن مسعود الأشجعي ، نقل هذه الثلاثةَ الأوجهَ الزمخشري . واستضعف الشيخ الوجهين الأخيرين ، قال : " مِنْ حيث إنَّ الأولَ لا يزيد إيماناً إلا النطقُ به لا هو في نفسه ، ومن حيث إنَّ الثاني إذا أُطلْق على المفردِ لفظُ الجمع مجازاً فإنَّ الضمائرَ تَجْري على ذلك الجمعِ لا على المفرد . تقول : " مفارقُه شابَتْ " باعتبارِ الجمع ، ولا يجوز : " مفارِقُه شاب " باعتبار : مَفْرِقُه شاب " .

وفيما قاله الشيخ نظرٌ ، لأنَّ المقولَ هو الذي في الحقيقة حَصَل به زيادةُ الإِيمان . وأمَّا قوله : " تَجرْي على الجمع لا على المفرد " فغير مُسَلَّم . ويَعْضُده أنهم نَصُّوا على أنه يجوزُ اعتبارُ لفظِ الجمعِ الواقعِ موقعَ المثنى تارةَ ومعناه أخرى فأجازوا : " رؤوس الكبشين قطعتُهُنَّ وقطعتهما " وإذا ثَبَتَ ذلك في الجمع الواقعِ موقعَ المثنى فليَجُزْ في الواقعِ موقع المفرد . ولقائلٍ أَنْ يُفَرِّق بينهما وهو أنه إنما جازَ أَنْ يُراعَى معنى التثنيةِ المُعَبَّرِ عنها بلفظ الجمع لقَرْبها منه ، من حيث إنَّ كلاً منهما فيه ضَمُّ شيء إلى مثلِه بخلافِ المفردِ فإنه بعيدٌ من الجمعِ لعدَمِ الضمِّ فلا يَلْزَمُ مِنْ مراعاة معنى التثنية في ذلك مراعاةُ معنى المفرد .

قوله : { وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ } عَطَفَ " قالوا " على " فزادهم " والجملةُ بعد القولِ في محلِّ النصب به . وقد تقدَّم أنَّ " حَسْب " بمعنى اسم الفاعل أي : " مُحْسِب " بمعنى الكافي ، ولذلك كانت إضافتُه غيرَ محضةٍ عند قوله في البقرة : { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } [ الآية : 206 ] . وقوله : { وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } / المخصوصُ بالمَدْحِ محذوفٌ أي الله .