الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ } : شرطٌ جوابُه مقدرٌ ، ويختلف تقديرُه باختلافِ التفسير في قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } فقال مجاهد : " معناه مَنْ كان يريد العزَّةَ بعبادةِ الأوثان ، فيكونُ تقديرُه : فَلْيَطْلبها " . وقال قتادة : " مَنْ كان يريد العزَّة وطريقه القويم ويحب نيْلَها على وجهِها ، فيكون تقديره على هذا : فليطلبها " . وقال الفراء : " من كان يريد عِلمَ العزة ، فيكون التقدير : فليَنْسُبْ ذلك إلى الله تعالى " . وقيل : مَنْ كان يريد العزة التي لا تَعْقُبها ذِلَّةٌ ، فيكونُ التقديرُ : فهو لا يَنالُها . ودَلَّ على هذه الأجوبةِ قولُه : " فَلِلَّهِ العِزَّةُ " وإنما قيل : إن الجوابَ محذوفٌ ، وليس هو هذه الجملةَ لوجهين ، أحدهما : أنَّ العزَّةَ لله مطلقاً ، مِنْ غيرِ ترتُّبِها على شرطِ إرادةِ أحدٍ . الثاني : أنَّه لا بُدَّ في الجواب مِنْ ضميرٍ يعودُ على اسم الشرط ، إذا كان غيرَ ظرف ، ولم يُوْجَدْ هنا ضميرٌ . و " جميعاً " حالٌ ، والعاملُ فيها الاستقرارُ .

قوله : " إليه يَصْعَدُ " العامَّةُ على بنائِه للفاعل مِنْ " صَعِد " ثلاثياً ، " الكَلِمُ الطيِّبُ " برفعِهما فاعِلاً ونعتاً . وعلي وابن مسعود " يُصْعِدُ " مِنْ أَصْعَدَ ، " الكلمَ الطيبَ " منصوبان على المفعولِ والنعت . وقُرئ " يُصْعَدُ " مبنيَّاً للمفعول . وقال ابنُ عطية : " قرأ الضحَّاك " يُصْعد " بضم الياء " لكنه لم يُبَيِّن كونَه مبنيَّاً للفاعلِ أو للمفعول .

قوله : " والعملُ الصالحُ " العامَّةُ على الرفعِ . وفيه وجهان ، أحدهما : أنَّه معطوفٌ على " الكلمُ الطيبُ " فيكون صاعداً أيضاً . و " يَرْفَعُه " على هذا استئنافُ إخبارٍ من اللَّهِ تعالى بأنه يرفعُهما ، وإنِّما وُحِّد الضميرُ ، وإنْ كان المرادُ الكَلِمَ والعملَ ذهاباً بالضميرِ مَذْهَبَ اسمِ الإِشارة ، كقوله : { عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ } [ البقرة : 68 ] . وقيل : لاشتراكِهما في صفةٍ واحدةٍ ، وهي الصعودُ . والثاني : أنه مبتدأٌ ، و " يرفَعُه " الخبرُ ، ولكن اختلفوا في فاعل " يَرْفَعُه " على ثلاثةِ أوجهٍ ، أحدُها : أنه ضميرُ اللَّهِ تعالى أي : والعملُ الصالحُ يرفعه اللَّهُ إليه . والثاني : أنه ضميرُ العملِ الصالحِ . وضميرُ النصبِ على هذا فيه وجهان ، أحدُهما : أنه يعودُ على صاحب العمل ، أي يَرْفَعُ صاحبَه . والثاني : أنه ضميرُ الكلمِ الطيبِ أي : العمل الصالح يرفع الكلمَ الطيبَ . ونُقِلَ عن ابن عباس . إلاَّ أنَّ ابنَ عطية منع هذا عن ابن عباس ، وقال : " لا يَصِحُّ ؛ لأنَّ مَذْهَبَ أهلِ السنَّة أنَّ الكلمَ الطيبَ مقبولٌ ، وإنْ كان صاحبُه عاصياً " . والثالث : أنَّ ضميرَ الرفعِ للكَلِمِ ، والنصبِ للعملِ ، أي : الكَلِمُ يَرْفَعُ العملَ .

وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بنصبِ " العمل الصالح " على الاشتغالِ ، والضميرُ المرفوعُ للكلم أو للَّهِ تعالى ، والمنصوبُ للعملِ .

قوله : " يَمْكُرون السَّيِّئات " يمكرون أصلُه قاصِرٌ فعلى هذا ينتصِبُ " السيِّئاتِ " على نعتِ مصدرٍ محذوفٍ أي : المَكَراتِ/ السيئاتِ ، أو نعتٍ لمضافٍ إلى المصدر أي : أصناف المَكَراتِ السيئاتِ . ويجوزُ أَنْ يكونَ " يَمْكُرون " مضمَّناً معنى يَكْسِبُون " فينتصِبُ " السيئاتِ " مفعولاً به .

قوله : " هو يَبُوْرُ " " هو " مبتدأٌ و " يبورُ " خبرُه . والجملةُ خبرُ قولِه : " ومَكْرُ أولئك " . وجَوَّزَ الحوفيُّ وأبو البقاء أَنْ يكونَ " هو " فَصْلاً بين المبتدأ وخبرِه . وهذا مردودٌ : بأنَّ الفَصْلَ لا يقعُ قبل الخبرِ إذا كان فعلاً ، إلاَّ أن الجرجاني جَوَّز ذلك . وجَوَّز أبو البقاء أيضاً أَنْ يكونَ " هو " تأكيداً . وهذا مَرْدودٌ بأنَّ المضمرَ لا يُؤَكِّدُ الظاهرَ .