الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

قوله : { أَفَمَن } : موصولٌ مبتدأٌ . وما بعدَه صلتُه ، والخبرُ محذوفٌ . فقدَّره الكسائيُّ { تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } لدلالةِ " فلا تَذْهَبْ " عليه . وقَدَّره الزجَّاجُ وأضلَّه اللَّهُ كمَنْ هداه . وقَدَّره غيرُهما : كمن لم يُزَيَّن له ، وهو أحسنُ لموافقتِه لفظاً ومعنىً . ونظيرُه : { أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ }

[ هود : 17 ] ، { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى }

[ الرعد : 19 ] .

والعامَّةُ على " زُيِّن " مبنياً للمفعولِ " سوءُ " رُفِعَ به . وعبيد بن عمير " زَيَّنَ " مبنياً للفاعلِ وهو اللَّهُ تعالى ، " سُوْءَ " نُصِبَ به . وعنه " أَسْوَأُ " بصيغةِ التفضيلِ منصوباً . وطلحة " أمَنْ " بغيرِ فاءٍ .

قال أبو الفضل : " الهمزةُ للاستخبارِ بمعنى العامَّةِ ، للتقرير . ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى حرفِ النداء ، فَحَذَفَ التمامَ كما حَذَفَ مِن المشهورِ الجوابَ . يعني أنه يجوزُ في هذه القراءةِ أَنْ تكونَ الهمزةُ للنداء ، وحُذِف التمامُ ، أي : ما نُوْدي لأَجْلِه ، كأنه قيل : يا مَنْ زُيِّن له سوءُ عملِه ارْجِعْ إلى الله وتُبْ إليه . وقوله : " كما حُذِفَ الجوابُ " يعني به خبرَ المبتدأ الذي تقدَّم تقريرُه .

قوله : " فلا تَذْهَبْ " العامَّة على فتح التاءِ والهاءِ مُسْنداً ل " نفسُك " مِنْ بابِ " لا أُبَيْنَّك ههنا " أي : لا تَتَعاطَ أسبابَ ذلك . وقرأ أبو جعفر وقتادة والأشهبُ بضمِّ التاء وكسرِ الهاء مُسْتداً لضميرِ المخاطب " نَفْسَك " مفعولٌ به .

قوله : " حَسَراتٍ " / فيه وجهان ، أحدُهما : أنه مفعولٌ مِنْ أجلِه أي : لأجلِ الحَسَرات . والثاني : أنه في موضعِ الحالِ على المبالغةِ ، كأنَّ كلَّها صارَتْ حَسَراتٍ لفَرْطِ التحسُّرِ ، كما قال :

3759 مَشَقَ الهَواجِرُ لَحْمَهُنَّ مع السُّرى *** حتى ذَهَبْنَ كَلاكِلاً وصُدورا

يريد : رَجَعْنَ كَلاكِلاً وصدوراً ، أي : لم تَبْقَ إلاَّ كلاكلُها وصدورها كقولِه :

3760 فعلى إثْرِهِمْ تَسَاقَطُ نَفْسي *** حَسَراتٍ وذكْرُهُمْ لي سَقامُ

وكَوْنُ كلاكِل وصدور حالاً قولُ سيبويه ، وجَعَلهما المبردُ تمييزَيْنِ منقولَيْنِ من الفاعلية .