الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا} (145)

قوله تعالى : { فِي الدَّرْكِ } : قرأ الكوفيون - بخلاف عن عاصم - بسكونِ الراء ، والباقون بفتحِها ، وفي ذلك قولان ، أحدُهما : أنَّ الدَّرْك والدَّرِكِ لغتان بمعنى واحدٍ كالشَّمْع والشَّمَع ، والقَدْر والقَدَر . والثاني : أنَّ الدَّرَك بالفتح جمعُ " دَرَكة " على حدِّ بَقَر وبَقَرة ، واختار أبو عبيد الفتحَ قال : " لأنه لم يَجِىءْ في الآثار ذِكْرُ " الدَّرَك " إلا بالفتحِ ، وهذا غيرُ لازمٍ لمجيء الأحاديثِ بإحدى اللغتين . واختار بعضُهم الفتحَ لجَمْعِه على أَفْعال ، قال الزمخشري : " والوجهُ التحريكُ لقولِهم " أدراك جهنم " يعني أنَّ أفعالاً منقاسٌ في فَعَل بالفتحِ دونَ فَعْل بالسكون ، على أنه قد جاء أَفْعال في فَعْل بالسكون نحو : فَرْخ وأَفْراخ ، وزَنْد وأَزْناد ، وفَرْد وأَفْراد . وقال أبو عبد الله الفاسي في شرحِ القصيد : " وقال غيرُه - يعني غيرَ عاصم - محتجَّاً لقراءة الفتح قولُهم في جَمْعِه : " أَدْراك " يَدُلُّ على أنه " دَرَك " بالفتح ، ولا يَلْزم ما قال أيضاً ، لأنَّ فَعَلاً بالتحريك قد جُمِع على أَفْعاله كقَلَم وأَقْلام ، وجَبَل وأَجبال " انتهى ، وهذه غفلةٌ منه لأنه المتنازعَ فيه إنما هو فَعْل بالتسكين : هل يُجْمَعُ على أَفْعال أم لا ؟ وأما فَعَلَ بالتحريك فأفْعال قياسُه ، وكأنه قَصَدَ الردَّ على الزمخشري فوقَع في الغلطِ ، كان ينبغي له أن يقول : وقد جُمِع فَعْل بالسكون على أَفْعال نحو : فَرْخ وأَفْراخ كما ذكرته لك . وحُكِي عن عاصم / أنه قال " لو كان " الدرَك " بالفتح لكان ينبغي أن يقال السُّفْلى لا الأسفل " قال بعض النحويين : " يعني أن الدرَك بالفتح جمع " دَرَكة " كبَقَر جمع بَقَرَة ، والجمعُ يُعامل معاملةَ المؤنثة . وهذا غيرُ لازمٍ لأنَّ اسمَ الجنسِ الفارقُ بين واحدِه وجمعِه تاءُ التأنيث يجوز تذكيرُه وتأنيثُه إلا ما استُثْنيَ وجوبُ تذكيرِه أو تأنيثه ، والدرَك ليس منه ، فيجوز فيه الوجهان ، هذا بعد تسليم كون " الدرك " جمع " دَرَكة " بالسكون كا تقدم . والدَّرَكُ مأخوذٌ من المُدراكة وهي المتابعةُ ، وسُمِّيت طبقاتُ النار " دَرَكات " لأنَّ بعضَها مدارك لبضع أي : متتابعة . قوله : { مِنَ النَّارِ } في محلِّ نصب على الحال ، وفي صاحبِها وجهان ، أحدُهما : أنه " الدرك " والعامل فيها الاستقرار ، والثاني : أنه الضميرُ المستتر في " الأسفل " لأنه صفةٌ فيتحمل ضميراً .