فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (5)

{ ولله جنود السماوات والأرض } يعني : الملائكة والإنس والجن والشياطين ، يدبر أمرهم كيف يشاء ، ويسلط بعضهم على بعض ، ويحفظ بعضهم ببعض ، { وكان الله عليما } كثير العلم بليغه { حكيما } في صنعه وأقواله وأفعاله { ليدخل } أي أمر بالجهاد ليدخل { المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } وقيل : هذه اللام متعلقة بمحذوف يدل على ما قبله ؛ تقديره يبتلى بتلك الجنود من شاء فيقبل الخير من أهله ، والشر ممن قضى له به ، ليدخل ؛ ويعذب ، وقيل : متعلقة بقوله إنا فتحنا لك ليدخل ويعذب ، وهذا لا يصح ، وقيل : متعلقة بينصرك أي نصرك الله بالمؤمنين ، ليدخل ، ويعذب ، وقيل : متعلقة ب ( يزدادوا ) وهذا لا يصح أيضا ؛ فالأول أولى .

{ ويكفر عنهم سيئاتهم } أي غيطيها ولا يظهرها ، ولا يعذبهم بها ، وتقديم الإدخال في الذكر على التكفير ، مع أن الترتيب في الوجود على العكس ، للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى والمقصد الأسنى { وكان ذلك } أي المذكور من الإدخال والتكفير { عند الله } أي : في عمله وقضائه وحكمه { فوزا عظيما } أي : ظفرا بكل مطلوب ، ونجاة من كل غم وجلبا لكل نفع ودفعا لكل ضر والظرف متعلق بمحذوف على أنه حال من ( فوزا ) لأنه صفة له في الأصل فلما قدم صار حالا أي كائنا من عند الله ، والجملة إعتراض مقرر لما قبله بين المعطوف- وهو يعذب- والمعطوف عليه- وهو يدخل .

أخرج البخاري ومسلم وغيرهم ، عن أنس رضي الله عنه قال : " لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله الآية مرجعه من الحديبية قال : لقد نزلت علي آية هي أحب إلي مما على الأرض ، ثم قرأها عليهم فقالوا هنيئا مريئا يا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا فنزلت عليه ليدخل المؤمنين ، حتى بلغ فوزا عظيما " {[1506]} .


[1506]:البخاري ومسلم.