السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (5)

وقوله تعالى : { ليدخل } متعلق بمحذوف أي : أمر بالجهاد ليدخل { المؤمنين والمؤمنات } الذين جبلتهم جبلة خير بجهاد بعضهم ودخول بعضهم في الدين بجهاد المجاهدين ، ولو سلط على الكفار جنوده من أوّل الأمر فأهلكوهم أو دمّر عليهم بغير واسطة لفات دخول أكثرهم الجنة ، وهم من آمن منهم بعد صلح الحديبية { جنات } أي بساتين لا يصل إلى عقولكم من وصفها إلا ما تعرفونه بعقولكم وإن كان الأمر أعظم من ذلك { تجري من تحتها الأنهار } فأي موضع أردت أن تجري منه نهراً قدرت على ذلك ؛ لأنّ الماء قريب من وجه الأرض مع صلابتها وحسنها { خالدين فيها } أي لا إلى آخر ، فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر في بعض المواضع المؤمنين والمؤمنات وفي بعضها اكتفى بذكر المؤمنين ودخلت المؤمنات فيهم كقوله تعالى : { قد أفلح المؤمنون } [ المؤمنون : 1 ] وقوله تعالى : { وبشر المؤمنين } [ البقرة : 223 ] أجيب بأنه في المواضع التي فيها ما يوهم اختصاص المؤمنين بالخير الموعود به مع مشاركة المؤمنات لهم ذكرهنّ الله تعالى صريحاً وفي المواضع التي فيها ما لا يوهم ذلك اكتفى بدخولهم في المؤمنين كقوله تعالى : { وبشر المؤمنين } ولما كان هاهنا قوله تعالى : { ليدخل المؤمنين } متعلقاً بالأمر بالقتال والمرأة لا تقاتل فلا تدخل الجنة الموعود بها فصرح الله تعالى بذكرهنّ { ويكفر } أي يستر ستراً بليغاً { عنهم سيئاتهم } فلا يظهرها ، فإن قيل : تكفير السيئات قبل الإدخال فكيف ذكره بعده أجيب بأنّ الواو لا تقتضي الترتيب بأنّ تكفير السيئات والمغفرة من توابع كون المكلف من أهل الجنة فقدم الإدخال في الذكر بمعنى أنه من أهل الجنة { وكان ذلك } أي : الإدخال والتكفير { عند الله } أي : الملك الأعظم ذي الجلال والإكرام { فوزاً عظيماً } لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع ودفع ضر .

تنبيه : { عند } متعلق بمحذوف على أنه حال من { فوزاً } ولما كان من أعظم الفوز إقرار العين بالانتقام من العدوّ وكان العدوّ الكاتم أشدّ من المجاهر المراغم .