فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (5)

ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما( 5 ) } .

فتحنا لك ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات دار النعيم المقيم والسرور الخالد ، ويتجاوز عن خطاياهم فلا يؤاخذهم بها ؛ ومضاعفة جزاء الحسنات ، والعفو عن الأوزار والزلات فوز وفلاح عند ربنا المليك المقتدر الغفور الشكور .

أخرج ابن جرير عن أنس بن مالك في قوله : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } ، قال : نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية وقد حيل بينه وبين نسكه فنحر الهدي بالحديبية وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن فقال : لقد أنزلت عليّ آية أحب إليّ من الدنيا جميعا فقرأ : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر }إلى قوله { عزيزا } فقال له أصحابه هنيئا لك يا رسول الله قد بين الله لنا ماذا يفعل بك . فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله الآية بعدها : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار }إلى قوله : { وكان ذلك عند الله فوزا عظيما } .

لكن أخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يردّ عليّ . فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيّ القرآن فما نشبت إذ سمعت صارخا يصرخ بي فوجفت وأنا أظن أنه نزل فيّ شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد أنزلت عليّ الليلة سورة أحب إلي من الدنيا وما فيها : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } ) .

أقول : حديث عمر رضي الله تعالى عنه- وممن أخرجه البخاري وكفى به موثقا- يشهد بأن السورة نزلت جملة ، بينما ما روي عن أنس قد يفهم منه أن الآيات الثلاث نزلت فلما قال الناس ما قالوا نزلت { ليدخل المؤمنين والمؤمنات } لكن الصحيح أولى ؛ ويمكن حمل القول فيما نقل عن أنس على أنه كان بلسان الحال وليس بلسان المقال .

[ وقال بعض العلماء : ضم المؤمنات هاهنا إلى المؤمنين بخلاف قوله : { قد أفلح المؤمنون } { وبشر المؤمنين } ونحو ذلك ، والسر فيه : أن كل موضع يوهم اختصاص الرجال به مع كون النساء مشاركات لهم ذكرهن صريحا ، نفيا لهذا التوّهم ، وكل موضع لا يوهم ذلك اكتفى فيه بذكر الرجال لأنهم الأصل في أكثر الأحكام والتكاليف ؛ مثلا : من المعلوم أن البشارة والنذارة عامة للناس قاطبة فلم يحتج فيهما إلى ذكر النساء بخلاف هذه الآية فإن إدخال الجنة يوهم أنه لأجل الجهاد مع العدو والفتح على أيديهم ، والمرأة لا جهاد عليها فكان يظن أنهن لا يدخلن الجنات ، فنفى الله تعالى هذا الوهم ، وكذا الكلام في تعذيب المشركين والمشركات ] .