فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَظَلَمُواْ بِهَاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (103)

{ ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئيه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين 103 وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين 104 حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني اسرئيل 105 } .

{ ثم بعثنا } أي أرسلنا { من بعدهم } أي بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقيل ضمير ( هم ) راجع إلى الأمم السالفة أي من بعد إهلاكهم { موسى } قال ابن عباس : إنما سمي موسى لأنه القي بين ماء وشجر فالماء بالقبطية مو والشجر سا وعاش من العمر مائة وعشرين سنة وبينه وبين يوسف أربعمائة سنة وبين موسى وإبراهيم سبعمائة سنة كما ذكره في التحبير .

{ بآياتنا } أي حججنا وأدلتنا على صدقه مثل اليد والعصا ونحو ذلك مما جاء به موسى ، وهذا يدل على أن النبي لا بد له من آية يتميز بها عن غيره ، وإلا لم يكن قبول قوله أولى من قبول قول غيره .

{ إلى فرعون } هو لقب لكل من يملك أرض مصر بعد العمالقة مثل ما كان يسمى ملك الفرس كسرى ، وملك الروم قيصر ، وملك الحبشة النجاشي ، وكان اسم فرعون الذي أرسل إليه موسى ( الوليد بن مصعب بن الربان ) وكان ملك القبط وكنيته أبو مرة ، وقيل أبو العباس وكان قبله فرعون آخر وهو أخوه واسمه قابوس ولم يذكر في القرآن .

وعن مجاهد أن فرعون كان فارسيا من أهل اصطخر ، وعن ابن لهيعة أنه كان من أبناء مصر ، وعن ابن المنكدر قال : عاش فرعون ثلاثمائة سنة ، عن علي بن أبي طلحة : أن فرعون كان قبطيا ولد زنا ، طوله سبعة أشبار ، وعن الحسن قال : كان علجا من همدان ، وعن إبراهيم بن مقسم قال : مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس .

{ وملئه } أي أشراف قومه وتخصيصه بالذكر مع عموم الرسالة لهم ولغيرهم لأن من عداهم كالأتباع لهم { فظلموا } أي فكفروا { بها } أطلق الظلم على الكفر لكون كفرهم بالآيات التي جاء بها موسى كان كفرا بالغا لوجود ما يوجب الإيمان من المعجزات العظيمة التي جاءهم بها ، أو المعنى ظلموا الناس بسببها لما صدوهم عن الإيمان بها أو ظلموا أنفسهم بسببها .

{ فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } أي انظر بعين العقل والبصيرة كيف فعلنا بالمكذبين بالآيات الكافرين بها وكيف أهلكناهم ، وجعلناهم مفسدين لأن تكذيبهم وكفرهم من أقبح أنواع الفساد .