التنور مستوقد النار ، ووزنه فعول عند أبي علي ، وهو أعجمي وليس بمشتق . وقال ثعلب : وزنه تفعول من النور ، وأصله تنوور فهمزت الواو ثم خففت ، وشدّد الحرف الذي قبله كما قال :
رأيت عرابة اللوسي يسمو*** إلى الغايات منقطع القرين
يريد عرابة الأوسى . وللمفسرين أقوال في التنور ستأتي إن شاء الله تعالى .
حتى إذا جاء أمرنا تقدم الكلام على دخول حتى على إذا في أوائل سورة الأنعام ، وهي هنا غاية لقوله : ويصنع الفلك . ويصنع كما قلنا حكاية حال أي : وكان يصنع الفلك إلى أن جاء وقت الوعد الموعود . والجملة من قوله : وكلما مرّ عليه حال ، كأنه قيل : ويصنعها ، والحال أنه كلما مر .
وأمرنا واحد الأمور ، أو مصدر أي : أمرنا بالفوران أو للسحاب بالإرسال ، وللملائكة بالتصرف في ذلك ، ونحو هذا مما يقدر في النازلة .
وفار : معناه انبعث بقوة ، والتنور وجه الأرض ، والعرب تسميه تنوراً قاله : ابن عباس ، وعكرمة ، والزهري ، وابن عيينة ، أو التنور الذي يخبز فيه ، وكان من حجارة ، وكان لحواء حتى صار لنوح قاله : الحسن ، ومجاهد ، وروي أيضاً عن ابن عباس .
وقيل : كان لآدم ، وقيل : كان تنور ، نوح ، أو أعلى الأرض والمواضع المرتفعة قاله : قتادة ، أو العين التي بالجزيرة عين الوردة رواه عكرمة ، أو من أقصى دار نوح قاله : مقاتل ، أو موضع اجتماع الماء في السفينة ، روي عن الحسن ، أو طلوع الشمس وروي عن علي ، أو نور الصبح من قولهم : نور الفجر تنويراً قاله : علي ومجاهد ، أو هو مجاز والمراد غلبة الماء وظهور العذاب كما قال صلى الله عليه وسلم لشدة الحرب : «حمي الوطيس » والوطيس أيضاً مستوقد النار ، فلا فرق بين حمى وفار ، إذ يستعملان في النار .
قال الله تعالى : { سمعوا لها شهيقاً وهي تفور } ولا فرق بين الوطيس والتنور .
والظاهر من هذه الأقوال حمله على التنور الذي هو مستوقد النار ، ويحتمل أن تكون أل فيه للعهد لتنور مخصوص ، ويحتمل أن تكون للجنس .
ففار النار من التنانير ، وكان ذلك من أعجب الأشياء أن يفور الماء من مستوقد النيران .
ولا تنافي بين هذا وبين قوله : { وفجرنا من الأرض ينبوعاً } إذ يمكن أن يراد بالأرض أماكن التنانير ، والتفجير غير الفوران ، فحصل الفوران للتنور ، والتفجير للأرض .
والضمير في فيها عائد على الفلك ، وهو مذكر أنث على معنى السفينة ، وكذلك قوله : وقال اركبوا فيها .
وقرأ حفص : من كل زوجين بتنوين ، كل أي من كل حيوان وزوجين مفعول ، واثنين نعت توكيد ، وباقي السبعة بالإضافة ، واثنين مفعول احمل ، وزوجين بمعنى العموم أي : من كل ما له ازدواج ، هذا معنى من كل زوجين قاله أبو علي وغيره .
قال ابن عطية : ولو كان المعنى احمل فيها من كل زوجين حاصلين اثنين ، لوجب أن يحمل من كل نوع أربعة ، والزوج في مشهور كلام العرب للواحد مما له ازدواج ، فيقال : هذا زوج ، هذا وهما زوجان ، وهذا هو المهيع في القرآن في قوله تعالى : { ثمانية أزواج } ثم فسرها وفي قوله { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى } وقال الأخفش : وقد يقال في كلام العرب للاثنين زووج ، هكذا تأخذه العدديون .
والزوج أيضاً في كلام العرب النوع كقوله تعالى : { وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج } وقال تعالى : { سبحان الذي خلق الأزواج كلها } انتهى .
ولما جعل المطر ينزل كأفواه القرب جعلت الوحوش تطلب وسط الأرض هرباً من الماء ، حتى اجتمعن عند السفينة فأمره الله أن يحمل من الزوجين اثنين ، يعني : ذكراً وأنثى ليبقى أصل النسل بعد الطوفان .
فروي أنه كان يأتيه أنواع الحيوان فيضع يمينه على الذكر ويساره على الأنثى ، وكانت السفينة ثلاث طبقات : السفلى للوحوش ، والوسطى للطعام والشراب ، والعليا له ولمن آمن .
وأهلك معطوف على زوجين إن نوِّن كل ، وعلى اثنين إن أضيف ، واستثنى من أهله من سبق عليه القول بالهلاك وأنه من أهل النار .
قال الزمخشري : سبق عليه القول أنه يختار الكفر لا لتقديره عليه وإرادته تعالى غير ذلك انتهى .
وهو على طريقة الاعتزال ، والذي سبق عليه القول امرأته واعلة بالعين المهملة ، وابنه كنعان .
ومن آمن عطف على وأهلك ، قيل : كانوا ثمانين رجلاً وثمانين امرأة ، وقيل : كانوا ثلاثة وثمانين .
وقال ابن عباس : آمن معه ثمانون رجلاً ، وعنه ثمانون إنساناً ، ثلاثة من بنيه سام وحام ويافث ، وثلاث كنائن له ، ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية تدعى اليوم قرية الثمانين بناحية الموصل .
وقيل : كانوا ثمانية وسبعين ، نصفهم رجال ، ونصفهم نساء .
وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم : نوح ، وبنوه سام وحام ويافث ، وستة ناس من كان آمن به وأزواجهم جميعاً .
وعن ابن إسحاق : كانوا عشرة : خمسة رجال ، وخمس نسوة .
وقيل : كانوا تسعة ونوح ، وثمانية أبناء له وزوجته .
وقيل : كانوا ثمانية ونوح وزوجته غير التي عوقبت ، وبنوه الثلاثة وزوجاتهم ، وهو قول : قتادة ، والحكم ، وابن عيينة ، وابن جريج ، ومحمد بن كعب .
وقال الأعمش : كانوا سبعة : نوح ، وثلاث كنائن ، وثلاث بنين .
وهذه أقوال متعارضة ، والذي أخبر الله تعالى به أنه ما آمن معه إلا قليل ، ولا يمكن التنصيص على عدد هذا النفر القليل الذي أبهم الله عددهم إلا بنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.