البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (88)

ولما ذكر تعالى ما أنعم به على رسوله صلى الله عليه وسلم من إتيانه ما آتاه ، نهاه .

وقد قلنا : إنّ النهي لا يقتضي الملابسة ولا المقاربة عن طموح عينه إلى شيء من متاع الدنيا ، وهذا وإن كان خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلم فالمعنى : نهى أمته عن ذلك لأنّ من أوتي القرآن شغله النظر فيه وامتثال تكاليفه وفهم معانيه عن الاشتغال بزهرة الدنيا .

ومد العين للشيء إنما هو لاستحسانه وإيثاره .

وقال ابن عباس : أي لا تتمنَّ ما فضلنا به أحداً من متاع الدنيا أزواجاً منهم ، أي رجالاً مع نسائهم ، أو أمثالاً في النعم ، وأصنافاً من اليهود والنصارى والمشركين أقوال .

ونهاه تعالى عن الحزن عليهم إن لم يؤمنوا ، وكان كثير الشفقة على من بعث إليه ، وادًّا أن يؤمنوا بالله كلهم ، فكان يلحقه الحزن عليهم .

نهاه تعالى عن الحزن عمن لم يؤمن ، وأمره بخفض جناحه لمن آمن ، وهي كناية عن التلطف والرفق .

وأصله : أنّ الطائر إذا ضم الفرخ إليه بسط جناحه له ثم قبضه على فرخه ، والجناحان من ابن آدم جانباه .