البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰنٗا نَّصِيرٗا} (80)

ولما أمره تعالى بإقامة الصلاة والتهجد ووعده بعثه { مقاماً محموداً } وذلك في الآخرة أمره بأن يدعوه بما يشمل أموره الدنيوية والأخروية ، فقال { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } والظاهر أنه عام في جميع موارده ومصادره دنيوية وأخروية ، والصدق هنا لفظ يقتضي رفع المذام واستيعاب المدح كما تقول : رجل صدق إذ هو مقابل رجل سوء .

وقال ابن عباس والحسن وقتادة : هو إدخال خاص وهو في المدينة ، وإخراج خاص وهو من مكة .

فيكون المقدم في الذكر هو المؤخر في الوقوع ، ومكان الواو هو الأهم فبدئ به .

وقال مجاهد وأبو صالح : ما معناه إدخاله فيما حمله من أعباء النبوة وأداء الشرع وإخراجه منه مؤدّياً لما كلفه من غير تفريط .

وقال الزمخشري : أدخلني القبر { مدخل صدق } إدخالاً مرضياً على طهارة وطيب من السيئات ، وأخرجني منه عند البعث إخراجاً مرضياً ملقى بالكرامة آمناً من السخط ، يدل عليه ذكره على ذكر البعث .

وقيل : إدخاله مكة ظاهراً عليها بالفتح ، وإخراجه منها آمناً من المشركين .

وقال محمد بن المنكدر : إدخاله الغار وإخراجه منه سالماً .

وقيل : الإخراج من المدينة والإدخال مكة بالفتح .

وقيل : الإدخال في الصلاة والإخراج منها .

وقيل : الإدخال في الجنة والإخراج من مكة .

وقيل : الإدخال فيما أمر به والإخراج مما نهاه عنه .

وقيل : { أدخلني } في بحار دلائل التوحيد والتنزيه ، { وأخرجني } من الاشتغال بالدليل إلى معرفة المدلول والتأمل في آثار محدثاته إلى الاستغراق في معرفة الأحد الفرد .

وقال أبو سهل : حين رجع من تبوك وقد قال المنافقون : { ليخرجنّ الأعز منها الأذل } يعني إدخال عز وإخراج نصر إلى مكة ، والأحسن في هذه الأقوال أن تكون على سبيل التمثيل لا التعيين ، ويكون اللفظ كما ذكرناه يتناول جميع الموارد والمصادر .

وقرأ الجمهور : { مدخل } و { مخرج } بضم ميمهما وهو جار قياساً على أفعل مصدر ، نحو أكرمته مكرماً أي إكراماً .

وقرأ قتادة وأبو حيوة وحميد وإبراهيم بن أبي عبلة بفتحهما .

وقال صاحب اللوامح : وهما مصدران من دخل وخرج لكنه جاء من معنى { أدخلني } { وأخرجني } المتقدمين دون لفظهما ومثلهما { أنبتكم من الأرض نباتاً } ويجوز أن يكونا اسم المكان وانتصابهما على الظرف ، وقال غيره : منصوبان مصدرين على تقدير فعل أي { أدخلني } فأدخل { مدخل صدق } { وأخرجني } فأخرج { مخرج صدق } .

والسلطان هنا قال الحسن : التسليط على الكافرين بالسيف ، وعلى المنافقين بإقامة الحدود .

وقال قتادة : ملكاً عزيزاً تنصرني به على كل من ناواني .

وقال مجاهد : حجة بينة .

وقيل : كتاباً يحوي الحدود والأحكام .

وقيل : فتح مكة .

وقيل : في كل عصر { سلطاناً } ينصرك دينك و { نصيراً } مبالغة في ناصر .

وقيل : فعيل بمعنى مفعول ، أي منصوراً ، وهذه الأقوال كلها محتملة لقوله { سلطاناً نصيراً } وروي أنه تعالى وعده ذلك وأنجزه له في حياته وتممه بعد وفاته .

قال قتادة : و { الحق } القرآن و { الباطل } الشيطان .