البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

{ من اهتدى } الآية قالت فرقة : نزلت الإشارة في الهدى إلى أبي سلمة بن عبد الأسود ، وفي الضلال إلى الوليد بن المغيرة .

وقيل : نزلت في الوليد هذا قال : يا أهل مكة اكفروا بمحمد وإثمكم عليّ ، وتقدم تفسير { ولا تزر وازرة وزر أخرى } في آخر الأنعام { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } انتفاء التعذيب ببعثة الرسول عليه السلام ، والمعنى حتى يبعث رسولاً فيكذب ولا يؤمن بما جاء به من عند الله ، وانتفاء التعذيب أعم من أن يكون في الدنيا بالهلاك وغيره من العذاب أو في الآخرة بالنار فهو يشملهما ، ويدل على الشمول قوله في الهلاك في الدنيا بعد هذه الآية { وإذا أردنا } وفي الآخرة { فحق عليها القول فدمرناها تدميراً } وآي كثيرة نص فيها على الهلاك في الدنيا بأنواع من العذاب حين كذبت الرسل .

وقوله في عذاب الآخرة كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها : ألم يأتكم نذير ؟ وقالوا : بلى قد جاءنا نذير ، وكلما تدل على عموم أزمان الإلقاء فتعم الملقين .

وقوله : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } وذهب الجمهور إلى أن هذا في حكم الدنيا ، أي إن الله لا يهلك أمّة بعذاب إلا من بعد الرسالة إليهم والإنذار .

قال الزمخشري : فإن قلت الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسول لأن معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه ، واستيجابهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم ركونهم لذلك الإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف والعمل بها لا يصح إلا بعد الإيمان .

قلت : بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة لئلا يقولوا كنا غافلين ، فلولا بعثت إلينا رسولاً ينبهنا على النظر في أدلة العقل انتهى .

وقال مقاتل : المعنى وما كنا مستأصلين في الدنيا لما اقتضته الحكمة الإلهية حتى يبعث رسولاً إقامة للحجة عليهم وقطعاً للعذر عنهم ، كما فعلنا بعاد وثمود والمؤتفكات وغيرها .