البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا} (14)

{ اقرأ كتابك } معمول لقول محذوف أي يقال له : { اقرأ كتابك } .

وقال قتادة : يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئاً .

وقال الزمخشري وغيره :

و { بنفسك } فاعل { كفى } انتهى .

وهذا مذهب الجمهور والباء زائدة على سبيل الجواز لا اللزوم ، ويدل عليه أنه إذا حذفت ارتفع ذلك الاسم بكفى .

قال الشاعر :

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً . . .

وقال آخر :

ويخبرني عن غائب المرء هديه***كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا

وقيل : فاعل { كفى } ضمير يعود على الاكتفاء ، أي كفى هو أي الاكتفاء بنفسك .

وقيل : { كفى } اسم فعل بمعنى اكتف ، والفاعل مضمر يعود على المخاطب ، وعلى هذين القولين لا تكون الباء زائدة .

وإذا فرعنا على قول الجمهور أن { بنفسك } هو فاعل { كفى } فكان القياس أن تدخل تاء التأنيث لتأنيث الفاعل ، فكان يكون التركيب كفت بنفسك كما تلحق مع زيادة من في الفاعل إذا كان مؤنثاً ، كقوله تعالى : { ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها } وقوله : { وما تأتيهم من آية } ولا نحفظه جاء التأنيث في كفى إذا كان الفاعل مؤنثاً مجروراً بالباء ، والظاهر أن المراد { بنفسك } ذاتك أي { كفى } بك .

وقال مقاتل : يريد بنفسه جوارحه تشهد عليه إذا أنكر .

وقال أبو عبيدة أي ما أشد كفاية ما عملت بما علمت .

{ واليوم } منصوب بكفى و { عليك } متعلق بحسيباً .

ومعنى { حسيباً } حاكماً عليك بعملك قاله الحسن .

قال : يا ابن آدم لقد أنصفك الله وجعلك حسيب نفسك .

وقال الكلبي : محاسباً يعني فعيلاً بمعنى مفاعل كجليس وخليط .

وقيل : حاسباً كضريب القداح أي ضاربها ، وصريم بمعنى صارم يعني أنه بناء مبالغة كرحيم وحفيظ ، وذكر { حسيباً } لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير ، لأن الغالب أن هذه الأمور يتولاها الرجل ، وكأنه قيل : كفى بنفسك رجلاً حسيباً .

وقال الأنباري : وإنما قال { حسيباً } والنفس مؤنثة لأنه يعني بالنفس الشخص ، أو لأنه لا علامة للتأنيث في لفظ النفس ، فشبهت بالسماء والأرض قال تعالى : { السماء منفطر به } وقال الشاعر :

ولا أرض أبقل ابقالها . . .