اللغو : ما يسبق به اللسان من غير قصد ، قاله الفراء ، وهو مأخوذ من قولهم لما لا يعتدّ به في الدية من أولاد الإبل : ويقال : لغا يلغو لغواً ولغى يلغي لغاً ، وقال ابن المظفر : تقول العرب : اللغو واللاغية واللواغي واللغوي ، وقال ابن الأنباري : اللغو عند العرب ما يطرح من الكلام استغناءً عنه ، ويقال : هو ما لا يفهم لفظه .
يقال : لغا الطائر يلغو : صوّت ، ويقال : لغا بالأمر لهج به يلغا ، ويقال : اشتق من هذا اللغة ، وقال ابن عيسى ، وقد ذكر أن اللغو ما لا يفيد قال : ومنه اللغة لأنها عند غير أهلها لغو وغلط في هذا الاشتقاق ، فإن اللغة إنما اشتقت من قولهم : لغى بكذا إذا أولع به .
الحليم : الصفوح عن الذنب مع القدرة على المؤاخذة به ، يقال : حلم الرجل يحلم حلماً ، وهو حليم ، وقال النابغة الجعدي :
ولا خير في حلم إذا لم يكن له***
ويقال : حلم الأديم يحلم حلماً ، إذا تثقب وفسد ، قال :
و : حلم في النوم يحلم حلماً وحلماً ، وهو : حالم ، { وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين }
{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، لأنه تعالى لما نهى عن جعل الله معرضاً للأيمان ، كان ذلك حتماً لترك الأيمان وهم يشق عليهم ذلك ، لأن العادة جرت لهم بالأيمان ، فذكر أن ما كان منها لغواً فهو لا يؤاخذ به ، لأنه مما لا يقصد به حقيقة اليمين ، وإنما هو شيء يجري على اللسان عند المحاورة من غير قصد ، وهذا أحسن ما يفسر به اللغو ، لأنه تعالى جعل مقابلة ما كسبه القلب وهو ماله فيه اعتماد وقصد .
واختلفت أقوال المفسرين في تفسير لغو اليمين ، فقال أبو هريرة ، وابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وابن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، والسدي عن أشياخه ، ومالك في أشهر قوليه ، وأبو حنيفة : هو الحلف على غلبة الظن ، فيكشف الغيب خلاف ذلك ؛ وقالت عائشة ، وابن عباس أيضاً ، وطاووس ، والشعبي ، ومجاهد ، وأبو صالح ، والشافعي : هو ما يجرى على اللسان في درج الكلام والاستعجال : لا والله ، وبلى والله ، من غير قصد لليمين ؛ وهو أحد قولي مالك .
وقال سعيد بن جبير ، وابن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وابنا الزبير عبد الله وعروة : هو الحلف على فعل المعصية ، إلاَّ أن ابن جبير قال : لا يفعل ويكفر ، وباقيهم قالوا : لا يفعل ولا كفارة عليه ، وقال ابن عباس أيضاً .
وعلي ، وطاووس : هو الحلف في حال الغضب .
وقال النخعي : هو الحلف على شيء ينساه ، وقال ابن عباس أيضاً ، والضحاك : هو ما تجب فيه الكفارة إذا كفرت سقطت ، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها ، والرجوع إلى الذي هو خير ؛ وقال مكحول ، وابن جبير أيضاً ، وجماعة : هو أن يحرم على نفسه ما أحل الله ، كقوله : مالي عليّ حرام إن فعلت كذا ، والحلال عليّ حرام ، وقال بهذا القول مالك إلاَّ في الزوجة ، فألزم فيها التحريم إلاَّ أن يخرجها الحالف بقلبه ، وقال زيد ابن أسلم وابنه : هو دعاء الرجل على نفسه أعمى الله بصره ، أذهب الله ماله ، هو يهودي ، هو مشرك ، هو لغية ، إن فعل كذا ، وقال مجاهد : هو حلف المتبايعين ، يقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر : والله ما أشتريه إلاَّ بكذا ، وقال مسروق : هو ما لا يلزمه الوقاية ، وروي عنه ، وعن الشعبي : أنه الحلف على المعصية ؛ وقيل : هو يمين المكره ، حكاه ابن عبد البر .
وهذه الأقوال يحتملها لفظ اللغو ، إلاَّ أن الأظهر هو ما فسرناه أولاً ، لأنه قابله كسب القلب ، وهو تعمده للشيء ، فجميع الأقوال غيره ينطبق عليها أنها كسب القلب ، لأن للقلب قصداً إليها : ونفي الوحدة يدل على أنه لا إثم ولا كفارة ، فيضعف قول من قال : إنها تختص بالإثم ، ويفسر اللغو باليمين المكفرة ، وسئل الحسن عن اللغو ، والمسبية ذات الزوج ، فوثب الفرزدق وقال : أما سمعت ما قلت :
حلالاً ، ولولا سبيها لم تطلق ؟
فقال الحسن : ما اذكاك لولا حنثك .
باللغو : متعلق : بيؤاخذكم ، والباء سببية ، مثلها في { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } { فكلا أخذنا بذنبه } وفي أيمانكم ، متعلق بالفعل ، أو بالمصدر ، أو بمحذوف ، أي : كائناً في أيمانكم ، فيكون حالاً ، ويقر به أنك لو جعلته في صلة : الذي ، ووصفت به اللغو لاستقام .
{ ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } أي باليمين التي للقلب فيها كسب ، فكل يمين عقدها القلب فهي كسب له ؛ وكذلك فسر مجاهد الكسب بالعقد ، كآية المائدة { بما عقدتم الأيمان } وقال ابن عباس ، والنخعي : هو أن يحلف كاذباً أو على باطل ، وهي الغموس ؛ وقال زيد بن أسلم : هو أن يعقد الإشراك بقلبه إذا قال : هو مشرك إن فعل كذا ، وقال قتادة : بما تعمد القلب من المآثم .
وهذا الذي ذكره تعالى : من المؤاخذة ، هو العقوبة في الآخرة إن كانت اليمين غموساً ، أو غير غموس وترك تكفيرها ، والعقوبة في الدنيا بإلزام الكفارة إن كانت مما تكفر .
واختلفوا في اليمين الغموس ، فقال مالك ، وجماعة : لا تكفر ، وهي أعظم ذنباً من ذلك .
وقال عطاء ، وقتادة ، والربيع ، والشافعي : تكفر ، والكفارة مؤاخذة .
والغموس ما قصد الرجل في الحلف به الكذب ، وهي المصبورة ، سميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم ، ومصبورة لأن صبرها مغالبة وقوة عليها ، كما يصبر الحيوان للقتل والرمي .
وقسمت الأيمان إلى : لغو ومنعقدة ، وغموس ، والمنعقدة : هي على المستقبل التي يصح فيها الحنث والبر ، وبينا اللغو والغموس ، وقسمت أيضاً إلى : حلف على ما من محرم وهي : الكاذبة ، ومباح : وهي الصادقة ، وعلى مستقبل عقدها طاعة ، والمقام عليها طاعة ، وحلها معصية أو مكروه ، ومقابلها أو ما هو مباح عقدها والمقام عليها وحلها ، ولكن دخلت هنا بين نقيضين باعتبار وجود اليمين لأنها لا تخلو من أن لا يقصدها القلب ، ولكن جرت على اللسان وهي : اللغو ، أو تقصدها وهي : المنعقدة ، وهما ضدان باعتبار أن لا توجد اليمين ، إذ الإنسان قد يخلو من اليمين ، وهذان النوعان من النقيضين والضد أحسن ما يقع فيه : لكن ، وأما الخلافان ففي جواز وقوعها بينهما خلاف ، وقد تقدّم طرف من هذا ، وإبدال الهمزة واواً في مثل : يؤاخذ ، مقيس ، ونحوه : يؤذن ، ويؤلف ، وفي قوله : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } محذوف تقديره : ولكن يؤاخذكم في أيمانكم بما كسبت قلوبكم ، وحذف لدلالة ما قبله عليه ، و : ما ، في قوله : بما ، موصولة ، والعائد محذوف ، ويحتمل أن تكون مصدرية ، ويحسنه مقابلته بالمصدر ، وهو قوله : باللغو ، وجوّز أن تكون نكرة موصوفة .
{ والله غفور حليم } جاءت هاتان الصفتان تدلان على توسعة الله على عباده حيث لم يؤاخذهم باللغو في الأيمان ، وفي تعقيب الآية بهما إشعار بالغفران ، والحلم عن من أوعده تعالى بالمؤاخذة ، وإطماع في سعة رحمته ، لأن من وصف نفسه بكثرة الغفران والصفح مطموع في ما وصف به نفسه ، فهذا الوعيد الذي ذكره تعالى مقيد بالمشيئة ، كسائر وعيده تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.