البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

الخلط : مزج الشيء بالشيء ، وخالط فاعل منه ، والخلط الشيء المخلوط : كالرغي .

الإِخوان : جمع أخ ، والأخ معروف ، وهو من ولده أبوك وأمك ، أو أحدهما ، وجمع فعل على فعلان لا ينقاس .

العنت : المشقة ، ومنه عنت الغربة ، وعقبة عنوت شاقة المصعد ، وعنت البعير انكسر بعد جبر .

و { في الدنيا والآخرة } الأحسن أن يكون ظرفاً للتفكر ومتعلقاً به ، ويكون توضيح الآيات لرجاء التفكر في أمر الدنيا والآخرة مطلقاً ، لا بالنسبة إلى شيء مخصوص من أحوالها ، بل ليحصل التفكر فيما يعنّ من أمرهما ، وهذا ذكر معناه أولاً الزمخشري فقال : تتفكرون فيما يتعلق بالدارين ، فتأخذون بما هو أصلح لكم ، وقيل : تتفكرون في أوامر الله ونواهيه ، وتستدركون طاعته في الدنيا ، وثوابه في الآخرة ، وقال المفضل بن سلمة : تتفكرون في أمر النفقة في الدنيا والآخرة ، فتمسكون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا ، وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى ، وقيل : تتفكرون في زوال الدنيا وبقاء الآخرة ، فتعملون للباقي منهما .

قال معناه ابن عباس والزمخشري ، وقيل : تتفكرون في منافع الخمر في الدنيا ، ومضارها في الآخرة ، فلا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب المستمر ، وقال قريباً منه الزمخشري ، تتفكرون في الدنيا فتمسكون ، وفي الآخرة فتتصدّقون .

وجوّزوا أن يكون ، في الدنيا ، متعلقاً بقوله : يبين لكم .

الآيات ، لا : بتتفكرون ، ويتعلق بلفظ : يبين ، أي : يبين الله في الدنيا والآخرة .

وروي هذا عن الحسن .

ولا بد من تأويل على هذا إن كان التبيين للآيات يقع في الدنيا ، فيكون التقدير في أمر الدنيا والآخرة ، وإن كان يقع فيهما ، فلا يحتاج إلى تأويل ، لأن الآيات ، وهي : العلامات يظهرها الله تعالى في الدنيا والآخرة .

وجعل بعضهم هذا القول من باب التقديم والتأخير ، إذ تقديره عنده : كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون .

وقال : ويمكن الحمل على ظاهر الكلام لتعلق : في الدنيا والآخرة ، بتتفكرون ، ففرض التقديم والتأخير ، على ما قاله الحسن ، يكون عدولاً عن الظاهر لا الدليل ، وإنه لا يجوز ، وليس هذا من باب التقديم والتأخير ، لأن : لعل ، هنا جارية مجرى التعليل ، فهي كالمتعلقة : بيبين ، وإذا كانت كذلك فهي والظرف من مطلوب : يبين ، وتقدّم أحد المطلوبين ، وتأخر الآخر ، لا يكون ذلك من باب التقديم والتأخير .

ويحتمل أن تكون : لعلكم تتفكرون ، جملة اعتراضية ، فلا يكون ذلك من باب التقديم والتأخير ، لأن شرط جملة الإعتراض أن تكون فاصلة بين متقاضيين .

قال ابن عطية ، وقال مكي : معنى الآية أنه يبين للمؤمنين آيات في الدنيا والآخرة ، يدل عليهما وعلى منزلتهما ، لعلكم تتفكرون في تلك الآيات .

قال ابن عطية : فقوله : في الدنيا ، متعلق على هذا التأويل : بالآيات ، انتهى كلامه .

وشرح مكي الآية بأن جعل الآيات منكرة ، حتى يجعل الظرفين صفة للآيات ، والمعنى عنده : آيات كائنة في الدنيا والآخرة ، وهو شرح معنى لا شرح إعراب ، وما ذكره ابن عطية من أنه متعلق على هذا التأويل بالآيات ؛ إن عنى ظاهر ما يريده النحاة بالتعلق فهو فاسد ، لأن الآيات لا يتعلق بها جار ومجرور ، ولا تعمل في شيء البتة ، وإن عنى أنه يكون الظرف من تمام الآيات ، وذلك لا يتأتى إلاَّ باعتقاد أن تكون في موضع الحال ، أي : كائنة في الدنيا والآخرة ، ولذلك فسره مكي بما يقتضي أن تكون صفة ، إذ قدّر الآيات منكرة ، والحال والصفة سواء في أن العامل فيهما محذوف إذا كانا ظرفين أو مجرورين ، فعلى هذا تكون : في الدنيا ، متعلقاً بمحذوف لا بالآيات ، وعلى رأي الكوفيين ، تكون الآيات موصولاً وصل بالظرف ؛ ولتقرير مذهبهم ورده موضع غير هذا .

{ ويسألونك عن اليتامى } : سبب نزولها أنهم كانوا في الجاهلية يتحرجون من مخالطة اليتامى في مأكل ومشرب وغيرهما ، ويتجنبون أموالهم ، قاله الضحاك ، والسدي .

وقيل : لما نزلت { ولا تقربوا مال اليتيم } { إن الذين يأكلون أموال اليتامى } تجنبوا اليتامى وأموالهم ، وعزلوهم عن أنفسهم فنزلت ، قاله ابن عباس ، وابن المسيب .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها ، أنه لما ذكر السؤال عن الخمر والميسر ، وكان تركهما مدعاة إلى تنمية المال ، وذكر السؤال عن النفقة ، وأجيبوا بأنهم ينفقون ما سهل عليهم ، ناسب ذلك النظر في حال اليتيم ، وحفظ ماله ، وتنميته ، وإصلاح اليتيم بالنظر في تربيته ، فالجامع بين الآيتين أن في ترك الخمر والميسر إصلاح أحوالهم أنفسهم ، وفي النظر في حال اليتامى إصلاحاً لغيرهم ممن هو عاجز أن يصلح نفسه ، فيكون قد جمعوا بين النفع لأنفسهم ولغيرهم .

والظاهر أن السائل جمع الإثنين بواو الجمع وهي للجمع به وقيل به .

وقال مقاتل : السائل ثابت بن رفاعة الأنصاري ، وقيل : عبد الله بن رواحة ، وقيل : السائل من كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين ، فإن العرب كانت تتشاءم بخلط أموال اليتامى بأموالهم ، فأعلم تعالى المؤمنين أنما كانت مخالطتهم مشؤومة لتصرفهم في أموالهم تصرفاً غير سديد ، كانوا يضعون الهزيلة مكان السمينة ، ويعوضون التافه عن النفيس ، فقال تعالى : { قل إصلاح لهم خير } الإصلاح لليتيم يتناول إصلاحه بالتعليم والتأديب ، وإصلاح ماله بالتنمية والحفظ .

وإصلاح : مبتدأ وهو نكرة ، ومسوغ جواز الابتداء بالنكرة هنا هو التقييد بالمجرور الذي هو : لهم ، فإما أن يكون على سبيل الوصف ، أو على سبيل المعمول للمصدر ، و : خير ، خبر عن إصلاح ، وإصلاح كما ذكرنا مصدر حذف فاعله ، فيكون : خير ، شاملاً للإصلاح المتعلق بالفاعل والمفعول ، فتكون الخيرية للجانبين معاً ، أي إن إصلاحهم لليتامى خير للمصلح والمصلح ، فيتناول حال اليتيم ، والكفيل ، وقيل : خير للولي ، والمعنى : إصلاحه من غير عوض ولا أجرة خير له وأعظم أجراً ، وقيل : خير ، عائد لليتيم ، أي : إصلاح الولي لليتيم ، ومخالطته له ، خير لليتيم من إعراض الولي عنه ، وتفرده عنه ، ولفظ : خير ، مطلق فتخصيصه بأحد الجانبين يحتاج إلى مرجح ، والحمل على الإطلاق أحسن .

وقرأ طاووس : قل إصلاح إليهم ، أي : في رعاية المال وغيره خير من تحرجكم ، أو خير في الثواب من إصلاح أموالكم .

{ وإن تخالطوهم فإخوانكم } هذا التفات من غيبة إلى خطاب لأن قبله و : يسألونك ، فالواو ضمير للغائب ، وحكمة هذا الالتفات ما في الإقبال بالخطاب على المخاطب ليتهيأ لسماع ما يلقى إليه وقبوله والتحرز فيه ، فالواو ضمير الكفلاء ، وهم ضمير اليتامى ، والمعنى : أنهم إخوانكم في الدين ، فينبغي أن تنظروا لهم كما تنظرون لإخوانكم من النسب من الشفقة والتلطف والإصلاح لذواتهم وأموالهم .

والمخالطة مفاعلة من الخلط وهو الامتزاج ، والمعنى : في المأكل ، فتجعل نفقة اليتيم مع نفقة عياله بالتحري ، إذ يشق عليه إفراده وحده بطعامه ، فلا يجد بداً من خلطه بماله لعياله ، فجاءت الآية بالرخصة في ذلك ، قاله أبو عبيد .

أو : المشاركة في الأموال والمتاجرة لهم فيها ، فتتناولون من الربح ما يختص بكم ، وتتركون لهم ما يختص بهم .

أو : المصاهرة فإن كان اليتيم غلاماً زوجه ابنته ، أو جارية زوجها ابنه ، ورجح هذا القول بأن هذا خلطة لليتيم نفسه ، والشركة خلطة لماله ، ولأن الشركة داخلة في قوله : { قل إصلاح له خير } ولم يدخل فيه الخلط من جهة النكاح ، فحمله على هذا الخلط أقرب .

وبقوله : فإخوانكم في الدين ، فإن اليتيم إذا كان من أولاد الكفار وجب أن يتحرى صلاح ماله كما يتحرى في المسلم ، فوجب أن تكون الإشارة بقوله : فإخوانكم ، إلى نوع آخر من المخالطة ، وبقوله بعد : ولا تنكحوا المشركات ، فكأن المعنى : إن المخالطة المندوب إليها في اليتامى الذين هم لكم إخوان بالإسلام .

أو الشرب من لبنه وشربه من لبنك ، وأكلك في قصعته وأكله في قصعتك ، قاله ابن عباس .

أو : خلط المال بالمال في النفقة والمطعم والمسكن والخدم والدواب ، فيتناولون من أموالهم عوضاً عن قيامكم بأمورهم ، بقدر ما يكون أجرة مثل ذلك في العمل ، والقائلون بهذا منهم من جوّز له ذلك ، سواء كان القيم غنياً أو فقيراً ، ومنهم من قال : إذا كان غنياً لم يأكل من ماله .

أو : المضاربة التي يحصل بها تنمية أموالهم .

والذي يظهر أن المخالطة لم تقيد بشيء لم يقل في كذا فتحمل على أي : مخالطة كانت مما فيه إصلاح لليتيم ، ولذلك قال : فإخوانكم ، أي : تنظرون لهم نظركم إلى إخوانكم مما فيه إصلاحهم .

وقد اكتنف هذه المخالطة الإصلاح قبل وبعد ، فقبل بقوله : { قل إصلاح له خير } وبعد بقوله : { والله يعلم المفسد من المصلح } فالأولى أن يراد بالمخالطة ما فيه إصلاح لليتيم بأي طريق كان ، من مخالطة في مطعم أو مسكن أو متاجرة أو مشاركة أو مضاربة أو مصاهرة أو غير ذلك .

وجواب الشرط : فإخوانكم ، وهو خبر مبتدأ محذوف أي : فهم إخوانكم ، وقرأ أبو مجلز : فإخوانكم على إضمار فعل التقدير : فتخالطون إخوانكم ، وجاء جواب السؤال بجملتين : إحداهما : منعقدة من مبتدأ وخبر ؛ والثانية : من شرط وجزاء .

فالأولى : تتضمن إصلاح اليتامى وأنه خير ، وأبرزت ثبوتية منكراً مبتدأها ليدل على تناوله كل إصلاح على طريق البدلية ، ولو أضيف لعم ، أو لكان معهوداً في إصلاح خاص ، فالعموم لا يمكن وقوعه ، والمعهود لا يتناول غيره ، فلذلك جاء التنكير الدال على عموم البدل ، وأخبر عنه : بخير ، الدال على تحصيل الثواب ، ليبادر المسلم إلى فعل ما فيه الخير طلباً لثواب الله تعالى .

وأبرزت الثانية : شرطية لأنها أتت لجواز الوقوع لا لطلبه وندبته .

ودل الجواب الأول على ضروب من الأحكام مما فيه مصلحة اليتيم ، لجواز تعليمه أمر دين وأدب ، والاستيجار له على ذلك ، وكالإنفاق عليه من ماله ، وقبول ما يوهب له ، وتزويجه ومؤاجرته ، وبيعه ماله لليتيم ، وتصرفه في ماله بالبيع والشراء ، وفي عمله فيه بنفسه مضاربة ، ودفعه إلى غيره مضاربة ، وغير ذلك من التصرفات المنوطة بالإصلاح .

ودل الجواب الثاني على جواز مخالطة اليتامى بما فيه إصلاح لهم ، فيخلطه بنفسه في مناكحه وماله بماله في مؤونة وتجارة وغيرهما .

قيل : وقد انتظمت الآية على جواز المخالطة ، فدلت على جواز المناهدة التي يفعلها المسافرون في الأسفار ، وهي أن يخرج هذا شيئاً من ماله ، وهذا شيئاً من ماله فيخلط وينفق ويأكل الناس ، وإن اختلف مقدار ما يأكلون ، وإذا أبيح لك في مال اليتيم فهو في مال البالغ بطيب نفسه أجوز .

ونظير جواز المناهدة قصة أهل الكهف : { فابعثوا أحدكم بورقكم } الآية ، وقد اختلف في بعض الأحكام التي قدمناها ، فمن ذلك : شراء الوصي من مال اليتيم ، والمضاربة فيه ، وإنكاح الوصي بيتيمته من نفسه ، وإنكاح اليتيم لابنته ، وهذا مذكور في كتب الفقه .

قيل : وجعلهم إخواناً لوجهين : أحدهما : أخوة الدين ، والثاني : لانتفاعهم بهم ، إما في الثواب من الله تعالى وإما بما يأخذونه من أجرة عملهم في أموالهم ، وكل من نفعك فهو أخوك .

وقال الباقر لشخص : رأيتك في قوم لم أعرفهم ، فقال : هم إخواني ، فقال : أفيهم من إذا احتجت أدخلت يدك في كمه فأخذت منه من غير استئذان ؟ قال : لا ، قال : إذن لستم بإخوان .

وفي قوله : { فإخوانكم } دليل على أن أطفال المؤمنين مؤمنون في الأحكام لتسمية الله تعالى إياهم إخواناً لنا .

{ والله يعلم المفسد من المصلح } جملة معناها التحذير ، أخبر تعالى فيها أنه عالم بالذي يفسد من الذي يصلح ، ومعنى ذلك : أنه يجازي كلاً منهما على الوصف الذي قام به ، وكثيراً ما ينسب العلم إلى الله تعالى على سبيل التحذير ، لأن من علم بالشيء جازى عليه ، فهو تعبير بالسبب عن المسبب ، و : يعلم ، هنا متعدٍ إلى واحد ، وجاء الخبر هنا بالفعل المقتضي للتجدد ، وإن كان علم الله لا يتجدد ، لأنه قصد به العقاب والثواب للمفسد والمصلح ، وهما وصفان يتجدّدان من الموصوف بهما ، فتكرر ترتيب الجزاء عليهما لتكررهما ، وتعلق العمل بالمفسد أولاً ليقع الإمساك عن الإفساد .

ومن ، متعلقة بيعلم على تضمين ما يتعدّى بمن ، كأن المعنى : والله يميز بعلمه المفسد من المصلح .

وظاهر الألف واللام أنها للاستغراق في جميع أنواع المفسد والمصلح ، والمصلح في مال اليتيم من جملة مدلولات ذلك ، ويجوز أن تكون الألف واللام للعهد ، أي : المفسد في مال اليتيم من المصلح فيه ، والمفسد بالإهمال في تربيته من المصلح له بالتأديب ، وجاءت هذه الجملة بهذا التقسيم لإن المخالطة على قسمين : مخالطة بإفساد ، ومخالطة بإصلاح .

ولأنه لما قيل : { قل إصلاح لهم خير } فهم مقابله ، وهو أن الإفساد شر ، فجاء هذا التقسيم باعتبار الإصلاح .

ومقابله .

{ ولو شاء الله لأعنتكم } أي : لأخرجكم وشدد عليكم قاله ابن عباس ، والسدّي وغيرهما ، أو : لأهلككم ، قاله أبو عبيدة ، أو : لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً ، قاله ابن عباس ، وهو معنى ما قبله ، أو : لكلفكم ما يشق عليكم ، قاله الزجاج ، أو : لآثمكم بمخالطتهم أو : لضيق عليكم الأمر في مخالطتهم ، قاله عطاء ، أو : لحرم عليكم مخالطتهم ، قاله ابن جرير .

وهذه أقوال كلها متقاربة .

ومفعول : شاء ، محذوف لدلالة الجواب عليه ، التقدير : ولو شاء الله إعناتكم ، واللام في الفعل الموجب الأكثر في لسان العرب المجيء بها فيه ، وقرأ الجمهور لأعنتكم بتخفيف الهمزة ، وهو الأصل ، وقرأ البزي من طريق أبي ربيعة «بتليين الهمزة » وقرئ بطرح الهمزة والقاء حركتها على اللام كقراءة من قرأ : فلا اثم عليه ، بطرح الهمزة .

قال أبو عبد الله نصر بن علي المعروف بابن مريم : لم يذكر ابن مجاهد هذا الحرف ، وابن كثير لم يحذف الهمزة ، وإنما لينها وحققها ، فتوهموا أنها محذوفة ، فإن الهمزة همزة قطع فلا تسقط حالة الوصل كما تسقط همزات الوصل عند الوصل .

انتهى كلامه .

فجعل إسقاط الهمزة وهماً ، وقد نقلها غيره قراءة كما ذكرناه .

وفي هذه الجملة الشرطية إعلام وتذكير بإحسان الله وإنعامه على أوصياء اليتامى ، إذ أزال إعناتهم ومشقتهم في مخالطتهم ، والنظر في أحوالهم وأموالهم .

{ إن الله عزيز حكيم } قال الزمخشري : عزيز غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم ، لكنه حكيم لا يكلف إلاَّ ما تتسع فيه طاقتهم .

وقال ابن عطية : عزيز لا يرد أمره ، وحكيم أي محكم ما ينفذه . انتهى .

في وصفه تعالى بالعزة ، وهو الغلبة والاستيلاء ، إشارة إلى أنه مختص بذلك لا يشارك فيه ، فكأنه لما جعل لهم ولاية على اليتامى نبههم على أنهم لا يقهرونهم ، ولا يغالبونهم ، ولا يستولون عليهم استيلاء القاهر ، فإن هذا الوصف لا يكون إلاَّ لله .

وفي وصفه تعالى بالحكمة إشارة إلى أنه لا يتعدّى ما أذن هو تعالى فيهم وفي أموالهم ، فليس لكم نظر إلاَّ بما أذنت فيه لكم الشريعة ، واقتضته الحكمة الإلهية .

إذ هو الحكيم المتقن لما صنع وشرع ، فالإصلاح لهم ليس راجعاً إلى نظركم ، إنما هو راجع لاتباع ما شرع في حقهم .

/خ223