{ وإن كان ذو عسرة فظرة إلى ميسرة } شكا بنو المغيرة العسرة وقالوا : أخرونا إلى أن تدرك الغلات ، فأبوا أن يؤخروا ، فنزلت .
قيل : هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر بدين ، وقيل : أمر به في صدر الإسلام ، فإن ثبت هذا فهو نسخ ، وإلا فليس بنسخ والعسرة ضيق الحال من جهة عدم المال ، ومنه : جيش العسرة ، والنظرة : التأخير ، والميسرة : اليسر .
وقرأ الجمهور : ذو عسرة ، على أن : كان ، تامة ، وهو قول سيبويه ، وأبي علي ، وإن وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة ، وأجاز بعض الكوفيين أن تكون : كان ، ناقصة هنا .
وقدّر الخبر : وإن كان من غرمائكم ذو عسرة فحذف المجرور الذي هو الخبر ، وقدر أيضاً : وإن كان ذو عسرة لكم عليه حق ، وحذف خبر كان لا يجوز عند أصحابنا ، لا إقتصاراً ولا اختصاراً لعلة ذكروها في النحو .
وقرأ أبي ، وابن مسعود ، وعثمان ، وابن عباس : ذا عسرة .
وحكى الداني عن أحمد بن موسى أنها كذلك في مصحف أبي علي إن في كان إسمها ضميراً تقديره : هو ، أي : الغريم ، يدل على إضماره ما تقدم من الكلام ، لأن المرابي لا بد له ممن يرابيه .
وقرئ : ومن كان ذا عسرة ، وهي قراءة أبان بن عثمان .
وحكى المهدوي أن في مصحف عثمان : فإن كان ، بالفاء ، فمن نصب ذا عسرة أو قرأ معسراً ، وذلك بعد : إن كان ، فقيل : يختص بأهل الربا .
ومن رفع فهو عام في جميع من عليه دين وليس بلازم ، لأن الآية إنما سيقت في أهل الربا ، وفيهم نزلت .
وقيل : ظاهر الآية يدل على أن الأصل الإيسار ، وأن العدم طارىء جاذب يحتاج إلى أن يثبت .
{ فنظرة إلى ميسرة } قرأ الجمهور : فنِظرة ، على وزن نِبقة .
وقرأ أبو رجاء ، ومجاهد ، والحسن ، والضحاك ، وقتادة : بسكون الظاء وهي لغة تميمية ، يقولون في : كبد كبد .
وقرأ عطاء : فناظرة ، على وزن : فاعلة وخرجه الزجاج على أنها مصدر كقوله تعالى : { ليس لوقعتها كاذبة } وكقوله : { تظن أن يفعل بها فاقرة } وكقوله : { يعلم خائنة الأعين } وقال : قرأ عطاء : فناظره ، بمعنى : فصاحب الحق ناظره ، أي : منتظره ، أو : صاحب نظرته ، على طريقة النسب ، كقولهم : مكان عاشب ، وباقل ، بمعنى : ذو عشب وذو بقل .
وعنه : فناظره ، على الأمر بمعنى : فسامحه بالنظرة ، وباشره بها . انتهى .
وعن مجاهد : جعلاه أمراً ، والهاء ضمير الغريم .
وقرأ عبد الله : فناظروه ، أي : فأنتم ناظروه .
فهذه ست قراآت ، ومن جعله اسم مصدر أو مصدراً فهو يرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : فالأمر والواجب على صاحب الدين نظرة منه لطلب الدين من المدين إلى ميسرة منه .
وقرأ نافع وحده : ميسرة ، بضم السين ، والضم لغة أهل الحجاز ، وهو قليل ؛ كمقبرة ، ومشرفة ، ومسربة .
وقرأ الجمهور بفتح السين على اللغة الكثيرة ، وهي لغة أهل نجد .
وقرأ عبد الله : إلى ميسوره ، على وزن مفعول مضافاً إلى ضمير الغريم ، وهو عند الأخفش مصدر كالمعقول والمجلود في قولهم : ما له معقول ولا مجلود ، أي : عقل وجلد ، ولم يثبت سيبويه مفعولاً مصدراً ، وقرأ عطاء ومجاهد : إلى ميسره ، بضم السين وكسر الراء بعدها ضمير الغريم .
وقرئ كذلك بفتح السين ، وخرج ذلك على حذف التاء لأجل الإضافة .
واخلفوك عد الأمر الذي وعدوا***
أي : عدة ، وهذا أعني حذف التاء لأجل الإضافة ، هو مذهب الفراء وبعض المتأخرين ، وأداهم إلى هذا التأويل : أن مفعلاً ليس في الأسماء المفردة ، فأما في الجمع فقد ذكروا ذلك في قول عدي بن زيد :
بثين الزمي لا إنَّ لا إن لزمته***
فمألك ومعون جمع مألكة ومعونة .
هذا تأويل أبي علي ، وتأول أبو الفتح على أنها مفردة حذف منها التاء .
وقال سيبويه : ليس في الكلام مفعل ، يعني في الآحاد ، كذا قال أبو علي ، وحكي عن سيبويه : مهلك ، مثلث اللام .
وأجاز الكسائي أن يكون : مفعل ، واحداً ولا يخالف قول سيبويه ، إذ يقال : ليس في الكلام كذا ، وإن كان قد جاء منه حرف أو حرفان ، كأنه لا يعتد بالقليل ، ولا يجعل له حكم .
وتقدّم شيء من الإشارة إلى الخلاف : أهذا الإنظار يختص بدين الربا ؟ وهو قول ابن عباس ، وشريح ، أم ذلك عام في كل معسر بدين ربا أو غيره ؟ وهو قول أبي هريرة ، والحسن ، وعطاء ، والضحاك ، والربيع بن خيثم ، وعامة الفقهاء .
وقد جاء في فضل إنظار المعسر أحاديث كثيرة ، منها : « من أنظر معسراً ، ووضع عنه ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله » ومنها : « يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول : يا رب ما عملت لك خيراً قط أريدك به إلا أنك رزقتني مالاً فكنت أوسع على المقتر ، وأنظر المعسر ، فيقول الله عز وجل : أنا أحق بذلك منك .
{ وأن تصدقوا خير لكم } أي : تصدقوا على الغريم برأس المال أو ببعضه خير من الإنظار ، قاله الضحاك والسدي ، وابن زيد ، والجمهور .
وقيل : وان تصدقوا فالإنظار خير لكم من المطالبة ، وهذا ضعيف ، لأن الإنظار للمعسر واجب على رب الدين ، فالحمل على فائدة جديدة أولى .
ولأن : أفعل التفضيل باقية على أصل وصفها ، والمراد بالخير : حصول الثناء الجميل في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة .
وقال قتادة : ندبوا إلى أن يتصدقوا برؤوس أموالهم على الغني والفقير .
وقرأ الجمهور : وأن تصدقوا ، بادغام التاء في الصاد ، وقرأ عاصم : تصدقوا ، بحذف التاء .
وفي مصحف عبد الله : تتصدقوا ، بتاءين وهو الأصل ، والإدغام تخفيف .
{ وإن كنتم تعلمون } : يريد العمل ، فجعله من لوازم العلم ، وقيل : تعلمون فضل التصدق على الإنظار والقبض ، وقيل : تعلمون أن ما أمركم به ربكم أصلح لكم .
قيل : آخر آية نزلت آية الربا ، قاله عمر ، وابن عباس ، ويحمل على أنها من آخر ما نزل ، لأنه الجمهور قالوا : آخر آية نزلت : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } فقيل : قبل موته بتسع ليال ، ثم لم ينزل شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.