البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنبياء

هذه السورة مكية بلا خلاف ، وعن عبد الله : الكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء من العتاق الأول ، وهن من تلادي أي من قديم ما حفظت وكسبت من القرآن كالمال التلاد .

0

0

و { اقترب } افتعل بمعنى الفعل المجرد وهو قرب كما تقول : ارتقب ورقب .

وقيل : هو أبلغ من قرب للزيادة التي في البناء .

والناس مشركو مكة .

وقيل : عام في منكري البعث ، واقتراب الحساب اقتراب وقته والحساب في اللغة إخراج الكمية من مبلغ العدد ، وقد يطلق على المحسوب وجعل ذلك اقتراباً لأن كل ما هو آت وإن طال وقت انتظاره قريب ، وإنما البعيد هو الذي انقرض أو هو مقترب عند الله كقوله { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } أو باعتبار ما بقي من الدنيا فإنه أقصر وأقل مما مضى .

وفي الحديث : « بعثت أنا والساعة كهاتين » قال الشاعر :

فما زال من يهواه أقرب من غد *** وما زال من يخشاه أبعد من أمس

و { للناس } متعلق باقترب .

وقال الزمخشري : هذه اللام لا تخلو من أن تكون صلة لاقترب ، أو تأكيداً لإضافة الحساب إليهم كما تقول أزف للحي رحيلهم ، الأصل أزف رحيل الحي ثم أزف للحي رحيلهم ونحوه ما أورده سيبويه في باب ما يثنى فيه المستقر توكيداً عليك زيد حريص عليك ، وفيك زيد راغب فيك ومنه قولهم : لا أبا لك لأن اللام مؤكدة لمعنى الإضافة ، وهذا الوجه أغرب من الأول انتهى يعني بقوله صلة أنها تتعلق باقترب ، وأما جعله اللام تأكيداً لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحداً يقول ذلك ، وأيضاً فيحتاج إلى ما يتعلق به ولا يمكن تعلقها بحسابهم لأنه مصدر موصول ولا يتقدم معموله عليه ، وأيضاً فالتوكيد يكون متأخراً عن المؤكد وأيضاً فلو أخر في هذا التركيب لم يصح .

وأما تشبيهه بما أورد سيبويه فالفرق واضح لأن عليك معمول لحريص ، وعليك الثانية متأخرة توكيداً وكذلك فيك زيد راغب فيك يتعلق فيك براغب ، وفيك الثانية توكيد ، وإنما غره في ذلك صحة تركيب حساب الناس .

وكذلك أزف رحيل الحي فاعتقد إذا تقدّم الظاهر مجروراً باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب فيك زيد راغب فيك وليس مثله ، وأمّا لا أبا لك فهي مسألة مشكلة وفيها خلاف ، ويمكن أن يقال فيها ذلك لأن اللام جاورت الإضافة ولا يقاس على مثلها غيرها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة ، وقد أمعنّا الكلام عليها في شرح التسهيل والواو في { وهم } واو الحال .

وأخبر عنهم بخبرين ظاهرهما التنافي لأن الغفلة عن الشيء والإعراض عنه متنافيان ، لكن يجمع بينهما باختلاف حالين أخبر عنهم أولاً أنهم لا يتفكرون في عاقبة بل هم غافلون عما يؤول إليه أمرهم .