البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (54)

{ وليعلم } من أوتي العلم أن ما تمنى الرسول والنبيّ من هداية قومه وإيمانهم هو الحق .

وهذه الآية ليس فيها إسناد شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما تضمنت حالة من كان قبله من الرسل والأنبياء إذا تمنوا .

وذكر المفسرون في كتبهم ابن عطية والزمخشري فمن قبلها ومن بعدهما ما لا يجوز وقوعه من آحاد المؤمنين منسوباً إلى المعصوم صلوات الله عليه ، وأطالوا في ذلك وفي تقريره سؤالاً وجواباً وهي قصة سئل عنها الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية ، فقال : هذا من وضع الزنادقة ، وصنف في ذلك كتاباً .

وقال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، وقال ما معناه : إن رواتها مطعون عليهم وليس في الصحاح ولا في التصانيف الحديثة شيء مما ذكروه فوجب اطّراحه ولذلك نزهت كتابي عن ذكره فيه .

والعجب من نقل هذا وهم يتلون في كتاب الله تعالى { والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وقال الله تعالى آمراً لنبيه { قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلاّ ما يوحى إليّ } وقال تعالى { ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل } الآية وقال تعالى : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم } الآية فالتثبيت واقع والمقاربة منفية .

وقال تعالى { كذلك لنثبت به فؤادك } وقال تعالى : { سنقرئك فلا تنسى } وهذه نصوص تشهد بعصمته ، وأما من جهة المعقول فلا يمكن ذلك لأن تجويزه يطرق إلى تجويزه في جميع الأحكام والشريعة فلا يؤمن فيها التبديل والتغيير ، واستحالة ذلك معلومة .

والضمير في : { أنه } قال ابن عطية : عائد على القرآن { والذين أوتوا العلم } أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم من قولنا في الآية ما يعود الضمير إليه { فتخبت } أي تتواضع وتتطامن بخلاف من في قلبه مرض وقسا قلبه .

وقرأ الجمهور { لهاد الذين آمنوا } الإضافة ، وأبو حيوة وابن أبي عبلة بتنوين { الهاد } .