البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا۩} (60)

{ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن } وكانت قريش لا تعرف هذا في أسماء الله غالطت قريش بذلك فقالت : إن محمداً يأمرنا بعبادة رحمن اليمامة نزلت { وإذا قيل لهم } و { ما } سؤال عن المجهول ، فيجوز أن يكون سؤالاً عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم ، ويجوز أن يكون سؤالاً عن معناه لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما يستعمل الرحيم والرحوم والراحم ، أو لأنهم أنكروا إطلاقه على الله قاله الزمخشري .

والذي يظهر أنهم لما قيل لهم { اسجدوا للرحمن } فذكرت الصفة المقتضية للمبالغة في الرحمة والكلمة عربية لا ينكر وضعها ، أظهروا التجاهل بهذه الصفة التي لله مغالطة منهم ووقاحة فقالوا : { وما الرحمن } وهم عارفون به وبصفته الرحمانية ، وهذا كما قال فروعون

{ وما رب العالمين } حين قال له موسى : { إني رسول من رب العالمين } على سبيل المناكرة وهو عالم برب العالمين .

كما قال موسى { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلاّ رب السموات والأرض بصائر } فكذلك كفار قريش استفهموا عن { الرحمن } استفهام من يجهله وهم عالمون به ، فعلى قول من قال : لم يكونوا يعرفون { الرحمن } إلاّ مسيلمة وعلى قول من قال : من لا يعرفون الرحمن إلاّ مسيلمة .

فالمعنى أنسجد لمسيلمة وعلى قول من قال : لا يعرفون { الرحمن } بالكلية فالمعنى { أنسجد لما تأمرنا } من غير علم ببيانه .

والقائل { اسجدوا } الرسول أو الله على لسان رسوله .

وقرأ ابن مسعود والأسود بن يزيد وحمزة والكسائي يأمر بالياء من تحت أي يأمرنا محمد ، والكناية عنه أو المسمى { الرحمن } ولا نعرفه .

وقرأ باقي السبعة بالتاء خطاباً للرسول .

ومفعول { تأمرنا } الثاني محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره يأمرنا سجوده نحو قولهم : أمرتك الخير .

{ وزادهم } أي هذا القول وهو الأمر بالسجود للرحمن { زادهم } ضلالاً يختص به مع ضلالهم السابق ، وكان حقه أن يكون باعثاً على فعلي السجود والقبول .

وقال الضحاك : سجد أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وعثمان بن مظعون وعمرو ابن غلسة ، فرآهم المشركون فأخذوا في ناحية المسجد يستهزئون ، فهذا المراد بقوله { وزادهم نفوراً } ومعنى { نفوراً } فراراً .