لما ذكر تعالى حال الشاكرين لنعمه بذكر داود وسليمان ، بيّن حال الكافرين بأنعمه بقصة سبأ ، موعظة لقريش وتحذيراً وتنبيهاً على ما جرى لمن كفر أنعم الله ، وتقدم الكلام في سبأ في النمل .
ولما ملكت بلقيس ، اقتتل قومها على ماء واديهم ، فتركت ملكها وسكنت قصرها ، وراودوها على أن ترجع فأبت فقالوا : لترجعنّ أو لنقتلنك ، فقالت لهم : لا عقول لكم ولا تطيعوني ، فقالوا : نطيعك ، فرجعت إلى واديهم ، وكانوا إذا مطروا ، أتاهم السيل من مسيرة ثلاثة أيام ، فأمرت به فسد ما بين الجبلين بمساءة بالصخر والقار ، وحبست الماء من وراء السد ، وجعلت له أبواباً بعضها فوق بعض ، وبنت من دونه بركة فيها اثنان عشر مخرجاً على عدد أنهارهم ، وكان الماء يخرج لهم بالسوية إلى أن كان من شأنها مع سليمان ، عليه السلام ، ما سبق ذكره في سورة النمل .
وقيل : الذي بنى لهم السد هو حمير أبو القبائل اليمنية .
وعن الضحاك : كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم .
قيل : وكان لهم رئيس يلقب بالحمار ، وكان في الفترة ، فمات ولده فرفع رأسه إلى السماء فبزق وكفر ، فلذا يقال في المثل : أكفر من حمار ، ويقال : بركة جوف حمار ، أي كوادي حمار ، لما حال بهم السيل .
وقرأ الجمهور : { في مساكنهم } ، جمعاً ؛ والنخعي ، وحمزة ، وحفص : مفرداً بفتح الكاف ؛ والكسائي : مفرداً بكسرها ، وهي قراءة الأعمش وعلقمة .
وقال أبو الحسن : كسر الكاف لغة فاشية ، وهي لغة الناس اليوم ؛ والفتح لغة الحجاز ، وهي اليوم قليلة .
وقال الفراء : هي لغة يمانية فصيحة ، فمن قرأ الجمع فظاهر ، لأن كل أحد له مسكن ، ومن أفرد ينبغي أن يحمل على المصدر ، أي في سكناهم ، حتى لا يكون مفرداً يراد به الجمع ، لأن سيبويه يرى ذلك ضرورة نحو : كلوا في بعض بطنكم تعفوا ، يريد بطونكم .
قد عض أعناقهم جلد الجواميس . . .
{ آية } : أي علامة دالة على الله وعلى قدرته وإحسانه ووجوب شكره ، أو جعل قصتهم لأنفسهم آية ، إذ : أعرض أهلها عن شكر الله عليهم ، فخربهم وأبدلهم عنها الخمط والإثل ثمرة لهم ؛ و { جنتان } : خبر مبتدأ محذوف ، أي هي جنتان ، قاله الزجاج ، أو بدل ، قال معناه الفراء ، قال : رفع لأنه تفسير لآية .
وقال مكي وغيره ، وضعفه ابن عطية ، ولم يذكر جهة تضعيفه .
وقال : { جنتان } ابتداء ، وخبره في قوله : { عن يمين وشمال } . انتهى .
ولا يظهر لأنه نكرة لا مسوغ للابتداء بها ، إلا إن اعتقد إن ثمة صفة محذوفة ، أي جنتان لهم ، أو عظيمتان لهم { عن يمين وشمال } ، وعلى تقدير ذلك يبقى الكلام مفلتاً مما قبله .
وقرأ ابن أبي عبلة : جنتين بالنصب ، على أن آية اسم كان ، وجنتين الخبر .
قيل : ووجه كون الجنتين آية نبات الخمط والإثل والسدر مكان الأشجار المثمرة .
قال قتادة : كانت بساتينهم ذات أشجار وثمار تسر الناس بظلالها ، ولم يرد جنتين ثنتين ، بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة . انتهى .
قال الزمخشري : وإنما أراد جماعة من البساتين عن يمين بلدتهم ، وأخرى عن شمالها ، وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة ، كما يكون بلاد الريف العامرة وبساتينها ، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله ، كما قال : { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } انتهى .
قال ابن زيد : لا يوجد فيها برغوث ، ولا بعوض ، ولا عقرب ، ولا تقمل ثيابهم ، ولا تعيا دوابهم ؛ وكانت المرأة تمشي تحت الأشجار ، وعلى رأسها المكتل ، فيمتلىء ثماراً من غير أن تتناول بيدها شيئاً .
وروي نحو هذا عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس .
{ كلوا من رزق الله } : قول الله لهم على ألسنة الأنبياء المبعوثين إليهم ، وروي ذلك مع الأيمان بالله ، أو قول لسان الحال لهم ، كما رأوا نعماً كثيرة وأرزاقاً مبسوطة ، وفيه إشارة إلى تكميل النعمة عليهم ، حيث لم يمنعهم من أكل ثمارها خوف ولا مرض .
{ واشكروا الله } على ما أنعم به عليكم ، { بلدة طيبة } : أي كريمة التربة ، حسنة الهواء ، رغدة النعم ، سليمة من الهوامّ والمضار ، { ورب غفور } ، لا عقاب على التمتع بنعمه في الدنيا ، ولا عذاب في الآخرة ، فهذه لذة كاملة خالية عن المفاسد العاجلة والمآلية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.