العرم : إما صفة للسيل أضيف فيه الموصوف إلى صفته كقولهم : مسجد الجامع ، وإما اسم لشيء ، ويأتي القول فيه في تفسير المركبات .
الخمط ، قال أبو عبيدة : كل شجرة مرّة ذات شواك . وقال ابن الأعرابي : الخمط ثمر شجرة على صورة الخشخاش لا ينتفع به . وقال القتي : يقال للحماضة خمطة اللبن . إذا أخذ شيئاً من الريح فهو خامط وخميط ؛ وتخمط الفحل : هدر ، والرجل : تعصب وتكسر ، والخمر : أخذت ريح الأراك كرائحة التفاح ولم تدرك بعد . ويقال : هي الخامطة ، قاله الجوهري .
الأثل : شجر ، وهو ضرب من الطرفاء ، قاله أبو حنيفة اللغوي في كتاب النبات له ، ويأتي ما قال فيه المفسرون .
السدر ، قال الفراء : هو السرو . وقال الأزهري : السدر سدران : سدر لا ينتفع به ، ولا يصلح ورقه للغسول ، وله ثمرة عفصة لا تؤكل ، وهو الذي يسمى الضال ؛ وسدر ينبت على الماء ، وثمرة النبق ، ورقه غسول يشبه ورق شجر العناب .
ولما ذكر تعالى ما كان من جانبه من الإحسان إليهم ، ذكر ما كان من جانبهم في مقابلته فقال : { فأعرضوا } : أي عما جاء به إليهم أنبياؤهم ، وكانوا ثلاثة عشر نبياً ، دعوهم إلى الله تعالى ، وذكروهم نعمه ، فكذبوهم وقالوا : ما نعرف لله نعمة ، فبين كيفية الانتقام منهم .
كما قال : { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها } { إنا من المجرمين منتقمون } فسلط الله عليهم الجرذ فأراً أعمى توالد فيه ، ويسمى الخلد ، وخرقه شيئاً بعد شيء ، وأرسل سيلاً في ذلك الوادي ، فحمل ذلك السد ، فروي أنه كان من العظم ، وكثر به الماء بحيث ملأ ما بين الجبلين ، وحمل الجنات وكثيراً من الناس ممن لم يمكنه الفرار .
وروي أنه لما خرق السد كان ذلك سبب يبس الجنات ، فهلكت بهذا الوجه .
وقال المغيرة بن حكيم ، وأبو ميسرة : العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي : كل ما بني أو سنم ليمسك الماء .
وقال ابن جبير : العرم : المسناة ، بلسان الحبشة .
وقال الأخفش : هو عربي ، ويقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة ، كأنها الجسور والسداد ، ومن هذا المعنى قول الأعشى :
وفي ذاك للمؤتسي أسوة *** مآرب عفى عليها العرم
رجام بنته لهم حمير *** إذا جاش دفاعه لم يرم
فأروى الزروع وأشجارها *** على سعة ماؤه إذ قسم
فصاروا أيادي لا يقدرو *** ن منه على شرب طفل فطم
ومن سبأ للحاضرين مآرب *** إذا بنوا من دونه سيل العرم
وقال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك : العرم اسم ، وإن ذلك الماء بعينه الذي كان السد بني به . انتهى .
ويمكن أن يسمى الوادي بذلك البناء لمجاروته له ، فصار علماً عليه .
وقال ابن عباس أيضاً : العرم : الشديد ، فاحتمل أن يكون صفة للسيل أضيف فيه الموصوف إلى صفته ، والتقدير : السيل العرم ، أو صفة لموصوف محذوف ، أي سيل المطر الشديد الذي كان عنه السيل ، أو سيل الجرذ العرم ، فالعرم صفة للجرذ .
وقيل : العرم اسم للجرذ ، وأضيف السيل إليه لكونه كان السبب في خراب السد الذي حمله السيل ، والإضافة تكون بأدنى ملابسة .
وقرأ عروة بن الورد فيما حكى ابن خالويه : العرم ، بإسكان الراء تخفيف العرم ، كقولهم : في الكبد الكبد .
ولما غرق من غرق ، ونجا من نجا ، تفرقوا وتحرفوا حتى ضربت العرب بهم المثل فقالوا : تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ ، قيل : الأوس والخزرج منهم .
وعن ابن عباس : كان سيل ذلك الوادي يصل إلى مكة وينتفع به ، وكان سيل العرم في ملك ذي الأذعار بن حسان ، في الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم . انتهى .
ودخلت الباء في { بجنتيهم } على الزائل ، وانتصب ما كان بدلاً ، وهو قوله : { جنتين } على المعهود في لسان العرب ، وإن كان كثيراً لمن ينتمي للعلم يفهم العكس حتى قال بعضهم : ولو أبدل ضاداً بظاء لم تصح صلاته ، وهو خطأ في لسان العرب ، ولو أبدل ظاء بضاد ، وقد تكلمنا على ذلك في البقرة في قوله : { ومن يتبدل الكفر بالايمان } وسمى هذا المعوض جنتين على سبيل المقابلة ، لأن ما كان فيه خمط وأثل وسدر لا يسمى جنة ، لأنها أشحار لا يكاد ينتفع بها .
وجاءت تثنية ذات على الأصح في رد عينها في التثنية فقال : { ذواتي أُكُل } ، كما جاء { ذواتا أفنان } ويجوز أن لا ترد فتقول : ذاتاً كذا على لفظ ذات ، وتقدم ذكر الخلاف في ضم كاف أُكُل وسكونها .
وقرأ الجمهور : أكل منوناً ، والأُكُل : الثمر المأكول ، فخرجه الزمخشري على أنه على حذف مضاف ، أي أُكُل خمط قال أو وصف الأُكُل بالخمط كأنه قيل ذواتي أُكُل شبع . انتهى .
والوصف بالأسماء لا يطرد ، وإن كان قد جاء منه شيء ، نحو قولهم : مررت بقاع عرفج كله .
وقال أبو علي : البدل في هذا لا يحسن ، لأن الخمط ليس بالأكل نفسه . انتهى .
وهو جائز على ما قاله الزمخشري ، لأن البدل حقيقة هو ذلك المحذوف ، فلما حذف أعرب ما قام مقامه بإعرابه .
قال أبو علي : والصفة أيضاً كذلك ، يريد لا بجنتين ، لأن الخمط اسم لا صفة ، وأحسن ما فيه عطف البيان ، كأنه بين أن الأُكُل هذه الشجرة ومنها .
وهذا لا يجوز على مذهب البصريين ، إذ شرط عطف البيان أن يكون معرفة ، وما قبله معرفة ، ولا يجيز ذلك في النكرة من النكرة إلا الكوفيون ، فأبو علي أخذ بقولهم في هذه المسألة .
وقرأ أبو عمرو : أُكُل خمط بالإضافة : أي ثمر خمط .
وقرىء : وأثلاً وشيئاً بالنصب ، حكاه الفضل بن إبراهيم ، عطفاً على جنتين .
وقليل صفة لسدر ، وقلله لأنه كان أحسن أشجاره وأكرم ، قاله الحسن ، وذلك إشارة إلى ما أجراه عليهم من تخريب بلادهم ، وإغراق أكثرهم ، وتمزيقهم في البلاد ، وإبدالهم بالأشجار الكثيرة الفواكه الطيبة المستلذة ، الخمط والأثل والسدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.