{ الرّجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } قيل : سبب نزول هذه الآية أنَّ امرأة لطمها زوجها فاستعدت ، فقضى لها بالقصاص ، فنزلت .
فقال صلى الله عليه وسلم : « أردت أمراً وأراد الله غيره » قاله : الحسن ، وقتادة ، وابن جريج ، والسدي وغيرهم .
فذكر التبريزي والزمخشري وابن عطية : أنها حبيبة بنت زيد بن أبي زهير زوج الربيِّع بن عمر ، وأحد النقباء من الأنصار .
وطولوا القصة وفي آخرها : فرفع القصاص بين الرجل والمرأة ، وقال الكلبي : هي حبيبة بنت محمد بن سلمة زوج سعيد بن الربيع .
وقال أبو روق : هي جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى زوج ثابت بن قيس بن شماس .
وقيل : نزل معها : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } وفي سبب من عين المرأة أن زوجها لطمها بسبب نشوزها .
وقيل : سبب النزول قول أم سلمة المتقدم : لما تمنى النساء درجة الرجال عرفن وجه الفضيلة قيل : المراد بالرجال هنا من فيهم صدامة وحزم ، لا مطلق من له لحية .
فكم من ذي لحية لا يكون له نفع ولا ضر ولا حرم ، ولذلك يقال : رجل بين الرجولية والرجولة .
ولذلك ادعى بعض المفسرين أنَّ في الكلام حذفا تقديره : الرجال قوامون على النساء إن كانوا رجالاً .
أكل امرىء تحسبن امرأ *** ونار توقد بالليل ناراً
والذي يظهر أنَّ هذا إخبار عن الجنس لم يتعرض فيه إلى اعتبار أفراده ، كأنه قيل : هذا الجنس قوام على هذا الجنس .
وقال ابن عباس : قوّامون مسلطون على تأديب النساء في الحق .
ويشهد لهذا القول طاعتهن لهم في طاعة الله .
وقوام : صفة مبالغة ، ويقال : قيام وقيم ، وهو الذي يقوم بالأمر ويحفظه .
وفي الحديث : « أنت قيّام السموات والأرض ومن فيهن » والباء في بما للسبب ، وما مصدرية أي : بتفضيل الله .
ومن جعلها بمعنى الذي فقد أبعد ، إذ لا ضمير في الجملة وتقديره محذوفاً لا مسوّغ لحذفه ، فلا يجوز .
والضمير في بعضهم عائد على الرجال والنساء .
وذكر تغليباً للمذكر على المؤنث ، والمراد بالبعض الأول الرجال ، وبالثاني النساء .
والمعنى : أنهم قوّامون عليهن بسبب تفضيل الله الرجال على النساء ، هكذا قرروا هذا المعنى .
قالوا : وعدل عن الضميرين فلم يأت بما فضل الله عليهن لما في ذكر بعض من الإبهام الذي لا يقتضي عموم الضمير ، فرب أنثى فضلت ذكراً .
وفي هذا دليل على أن الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة ، وذكروا أشياء مما فضل به الرجال على النساء على سبيل التمثيل .
فقال الربيع : الجمعة والجماعة .
وينبو عنه قوله : وبما أنفقوا .
وقيل : الغزو ، وكمال الدين ، والعقل .
وقيل : العقل والرأي ، وحل الأربع ، وملك النكاح ، والطلاق ، والرجعة ، وكمال العبادات ، وفضيلة الشهادات ، والتعصيب ، وزيادة السهم في الميراث ، والديات ، والصلاحية للنبوة ، والخلافة ، والإمامة ، والخطابة ، والجهاد ، والرمي ، والآذان ، والاعتكاف ، والحمالة ، والقسامة ، وانتساب الأولاد ، واللحى ، وكشف الوجوه ، والعمائم التي هي تيجان العرب ، والولاية ، والتزويج ، والاستدعاء إلى الفراش ، والكتابة في الغالب ، وعدد الزوجات ، والوطء بملك اليمين .
وبما أنفقوا من أموالهم : معناه عليهن ، وما : مصدرية ، أو بمعنى الذي ، والعائد محذوف فيه مسوّغ الحذف .
قيل : المعنى بما أخرجوا بسبب النكاح من مهورهن ، ومن النفقات عليهن المستمرة .
وروى معاذ : أنه صلى الله عليه وسلم قال : « لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها » قال القرطبي : فهم الجمهور من قوله : وبما أنفقوا من أموالهم ، أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها ، وإذا لم يكن قواماً عليها كان لها فسخ العقد لزوال المعقود الذي شرع لأجله النكاح .
وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة ، وهو مذهب مالك والشافعي .
وقال أبو حنيفة : لا يفسخ لقوله : { وإن كان ذو عسرة فنظِرة إلى ميسرة }
{ فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } قال ابن عباس : الصالحات المحسنات لأزواجهنّ ، لأنهن إذا أحسن لأزواجهن فقد صلح حالهن معهم .
وقال ابن المبارك : المعاملات بالخير .
وقيل : اللائي أصلحن الله لأزواجهن قال تعالى : { وأصلحنا له زوجه } وقيل : اللواتي أصلحن أقوالهن وأفعالهن .
والقانتات : المطيعات لأزواجهن ، أو لله تعالى في حفظ أزواجهن ، وامتثال أمرهم ، أو لله تعالى في كل أحوالهن ، أو قائمات بما عليهن للأزواج ، أو المصليات ، أقوال آخرها للزجاج .
حافظات للغيب : قال عطاء وقتادة : يحفظن ما غاب عن الأزواج ، وما يجب لهن من صيانة أنفسهن لهن ، ولا يتحدثن بما كان بينهم وبينهن .
وقال ابن عطية : الغيب ، كل ما غاب عن علم زوجها مما استتر عنه ، وذلك يعم حال غيبة الزوج ، وحال حضوره .
وقال الزمخشري : الغيب خلاف الشهادة ، أي حافظات لمواجب الغيب إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن ، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الزوج والبيوت والأموال انتهى .
والألف واللام في الغيب تغني عن الضمير ، والاستغناء بها كثير كقوله : { واشتعل الرأس شيباً } أي رأسي .
لمياء في شفتيها حوّة لعس *** وفي اللثات وفي أنيابها شنب
وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرّتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها » ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية .
وقرأ الجمهور : برفع الجلالة ، فالظاهر أن تكون ما مصدرية ، والتقدير : بحفظ الله إياهن .
ويحتمل هذا الحفظ وجوهاً أي : يحفظ ، أي : بتوفيقه إياهن لحفظ الغيب ، أو لحفظه إياهن حين أوصى بهن الأزواج في كتابه وأمر رسوله ، فقال : « استوصوا بالنساء خيراً » أو بحفظهن حين وعدهن الثواب العظيم على حفظ الغيب ، وأوعدهن العذاب الشديد على الخيانة .
وجوزوا أن تكون ما بمعنى الذي ، والعائد على ما محذوف ، والتقدير : بما حفظه الله لهن من مهور أزواجهن ، والنفقة عليهن ، قاله الزجاج .
وقال ابن عطية : ويكون المعنى إما حفظ الله ورعايته التي لا يتم أمر دونها ، وإما أوامره ونواهيه للنساء ، وكأنها حفظه ، فمعناه : أن النساء يحفظن بإزاء ذلك وبقدره .
وأجاز أبو البقاء أن تكون ما نكرة موصوفة .
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : بنصب الجلالة فالظاهر أنَّ ما بمعنى الذي ، وفي حفظ ضمير يعود على ما مرفوع أي : بالطاعة والبر الذي حفظ الله في امتثال أمره .
وقيل : التقدير بالأمر الذي حفظ حق الله وأمانته ، وهو التعفف والتحصن والشفقة على الرجال والنصيحة لهم .
وقدره ابن جني : بما حفظ دين الله ، أو أمر الله .
وحذف المضاف متعين تقديره : لأن الذات المقدسة لا ينسب إليها أنها يحفظها أحد .
وقيل : ما مصدرية ، وفي حفظ ضمير مرفوع تقديره : بما حفظن الله ، وهو عائد على الصالحات .
قيل : وحذف ذلك الضمير ، وفي حذفه قبح لا يجوز إلا في الشعر كما قال : فإن الحوادث أودى بها .
والمعنى : يحفظن الله في أمره حين امتثلنه .
والأحسن في هذا أن لا يقال أنه حذف الضمير ، بل يقال : إنه عاد الضمير عليهن مفرداً ، كأنه لوحظ الجنس ، وكأن الصالحات في معنى من صلح ، وهذا كله توجيه شذوذ أدّى إليه قول من قال في هذه القراءة : إنّ ما مصدرية .
ولا حاجة إلى هذا القول ، بل ينزه القرآن عنه .
وفي قراءة عبد الله ومصحفه : فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ الله ، فأصلحوا إليهن .
وينبغي حملها على التفسير لأنها مخالفة لسواد الإمام ، وفيها زيادة .
وقد صح عنه بالنقل الذي لا شك فيه أنه قرأ : وأقرأ على رسم السواد ، فلذلك ينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير .
قال ابن جني : والتكسير أشبه بالمعنى ، إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصودة هنا .
ومعنى قوله : فأصلحوا إليهن أي أحسنوا ضمن أصلحوا معنى أحسنوا ، ولذلك عداه بإلى .
روى في الحديث : « يستغفر للمرأة المطيعة لزوجها الطير في الهواء ، والحيتان في البحر ، والملائكة في السماء ، والسباع في البراري » « قالت أم سلمة : قلت : يا رسول الله نساء الدنيا أفضل أم الحور ؟ فقال : نساء الدنيا أفضل من الحور .
قلت : يا رسول الله بم ؟ قال : بصلاتهن ، وصيامهن ، وعبادتهن ، وطاعة أزواجهن .
» { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } لما ذكر تعالى صالحات الأزواج وأنهن من المطيعات الحافظات للغيب ، ذكر مقابلهن وهن العاصيات للأزواج .
والخوف هنا قيل : معناه اليقين ، ذهب في ذلك إلى أنّ الأوامر التي بعد ذلك إنما يوجبها وقوع النشوز لا توقعه ، واحتج في جواز وقوع الخوف موقع اليقين بقول أبي محجن الثقفي رضي الله عنه :
ولا تدفنني بالفلاة فإنني *** أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
وقيل الخوف علي بابه من بعض الظن .
أتاني كلام من نصيب بقوله *** وما خفت ياسلام أنك عاتبي
وفي الحديث : « أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن » وقيل : الخوف على بابه من ضد الأمن ، فالمعنى : يحذرون ويتوقعون ، لأن الوعظ وما بعده إنما هو في دوام ما ظهر من مبادىء ما يتخوف .
والنشوز : أن تتعوج المرأة ويرتفع خلقها وتستعلي على زوجها ، ويقال : نسور بالسين والراء المهملتين ، ويقال : نصور ، ويقال : نشوص .
تجللها شيخ عشاء فأصبحت *** مضاعية تأتي الكواهن ناشصا
قال ابن عباس : نشوزهنّ عصيانهنّ .
وقال عطاء : نشوزها أن لا تتعطر ، وتمنعه من نفسه ، وتتغير عن أشياء كانت تتصنع للزوج بها .
وقال أبو منصور : نشوزها كراهيتها للزوج .
وقيل : امتناعها من المقام معه في بيته ، وإقامتها في مكان لا يريد الإقامة فيه .
وقيل : منعها نفسها من الاستمتاع بها إذا طلبها لذلك .
ووعظهن : تذكيرهن آمر الله بطاعة الزوج ، وتعريفهن أنّ الله أباح ضربهن عند عصيانهن ، وعقاب الله لهن على العصيان قاله : ابن عباس .
وقال مجاهد : يقول لها : اتقي الله ، وارجعي إلى فراشك .
وقيل : يقول لها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها » وقال : « لا تمنعه نفسها ولو كانت على قتب » وقال : « أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح » وزاد آخرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق وامرأة بات عليها زوجها ساخطاً وإمام قوم هم له كارهون »
وهجرهن في المضاجع : تركهن لكراهة في المراقد .
والمضجع المكان الذي يضطجع فيه على جنب .
وأصل الاضطجاع الاستلقاء ، يقال : ضجيع ضجوعاً واضطجع استلقى للنوم ، وأضجعته أملته إلى الأرض ، وكل شيء أملته من إناء وغيره فقد أضجعته .
قال ابن عباس وابن جبير : معناه لا تجامعوهن .
وقال الضحاك والسدي : اتركوا كلامهن ، وولوهن ظهوركم في الفراش .
وقال مجاهد : فارقوهن في الفرش ، أي ناموا ناحية في فرش غير فرشهن .
وقال عكرمة والحسن : قولوا لهن في المضاجع هجراً ، أي كلاماً غليظاً .
وقيل : اهجروهن في الكلام ثلاثة أيام فما دونها .
وكنى بالمضاجع عن البيوت ، لأن كل مكان يصلح أن يكون محلاً للاضطجاع .
وقال النخعي ، والشعبي ، وقتادة ، والحسن : من الهجران ، وهو البعد وقيل : اهجروهن بترك الجماع والاجتماع ، وإظهار التجهم ، والإعراض عنهن مدة نهايتها شهراً كما فعل عليه السلام « حين حلف أن لا يدخل على نسائه شهراً » وقيل : اربطوهن بالهجار ، وأكرهوهن على الجماع من قولهم : هجر البعير إذا شده بالهجار ، وهو حبل يشدّ به البعير قاله : الطبري ورجحه .
وقال الزمخشري في قول الطبري : وهذا من تفسير الثقلاء انتهى .
وقيل في للسبب : أي اهجروهن بسبب تخلفهن عن الفرش .
وقرأ عبد الله والنخعي : في المضجع على الإفراد وفيه معنى الجمع ، لأنه اسم جنس .
وضربهن هو أن يكون غير مبرح ولا ناهك ، كما جاء في الحديث .
قال ابن عباس : بالسواك ونحوه .
والضرب غير المبرح هو الذي لا يهشم عظماً ، ولا يتلف عضواً ، ولا يعقب شيناً ، والناهك البالغ ، وليجتنب الوجه .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم : « علق سوطك حيث يراه أهلك » وعن أسماء بنت الصديق رضي الله عنها : كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير ، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها .
وهذا يخالف قول ابن عباس ، وكذلك ما رواه ابن وهب عن مالك : أن أسماء زوج الزبير كانت تخرج حتى عوتبت في ذلك وعيب عليها وعلى ضرّاتها ، فعقد شعر واحدة بالأخرى ، ثم ضربهما ضرباً شديداً ، وكانت الضرّة أحسن اتقاء ، وكانت أسماء لا تتقي الضرب ، فكان الضرب بها أكثر ، فشكت إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال : يا بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ، ولعله أن يكون زوجك في الجنة .
وظاهر الآية يدل : على أنه يعظ ، ويهجر في المضجع ، ويضرب التي يخاف نشوزها .
ويجمع بينها ، ويبدأ بما شاء ، لأن الواو لا ترتب .
وقال بهذا قوم وقال الجمهور : الوعظ عند خوف النشوز ، والضرب عند ظهوره .
وقال ابن عطية : هذه العظة والهجر والضرب مراتب ، إن وقعت الطاعة عند إحداها لم يتعد إلى سائرها .
وقال الزمخشري : أمر بوعظهن أولاً ، ثم بهجرانهن في المضاجع ، ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ والهجران .
وقال الرازي ما ملخصه : يبدأ بلين القول في الوعظ ، فإن لم يفسد فبخشنه ، ثم يترك مضاجعتها ، ثم بالإعراض عنها كلية ، ثم بالضرب الخفيف كاللطمة واللكزة ونحوها مما يشعر بالاحتقار وإسقاط الحرمة ، ثم بالضرب بالسوط والقضيب اللين ونحوه مما يحصل به الألم والإنكاء ولا يحصل عنه هشم ولا إراقة دم ، فإن لم يفد شيء من ذلك ربطها بالهجار وهو الحبل ، وأكرهها على الوطء ، لأن ذلك حقه .
وأي شيء من هذه رجعت به عن نشوزها على ما رتبناه لم يجز له أن ينتقل إلى غيره لقوله :
{ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً } انتهى .
وقوله : فإن أطعنكم أي : وافقنكم وانقدن إلى ما أوجب الله عليهن من طاعتكم .
يدل على أنهن كن عاصيات بالنشوز ، وأن النشوز منهن كان واقعاً ، فإذن ليس الأمر مرتباً على خوف النشوز .
وآخرها يدل على أنه مرتب على عصيانهن بالنشوز ، فهذا مما حمل على تأول الخوف بمعنى التيقن .
والأحسن عندي أن يكون ثمّ معطوفاً حذف لفهم المعنى واقتضائه له ، وتقديره : واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن .
كما حذف في قوله : { أن اضرب بعصاك الحجر فانفجرت } تقديره فضرب فانفجرت ، لأن الانفجار لا يتسبب عن الأمر ، إنما هو متسبب عن الضرب .
فرتبت هذه الأوامر على الملفوظ به .
والمحذوف : أمر بالوعظ عند خوف النشوز ، وأمر بالهجر والضرب عند النشوز .
ومعنى فلا تبغوا : فلا تطلبوا عليهن سبيلاً من السبل الثلاثة المباحة وهي : الوعظ ، والهجر ، والضرب .
وقال سفيان : معناه لا تكلفوهن ما ليس في قدرتهن من الميل والمحبة ، فإن ذلك إلى الله .
وقيل : يحتمل أن يكون تبغوا من البغي وهو الظلم ، والمعنى : فلا تبغوا عليهن من طريق من الطرق .
وانتصاب سبيلاً على هذا هو على إسقاط الخافض .
وقيل : المعنى فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً من سبل البغي لهن والإضرار بهن توصيلاً بذلك إلى نشوزهن أي : إذا كانت طائعة فلا يفعل معها ما يؤدي إلى نشوزها .
وسبيلاً نكرة في سياق النفي ، فيعم النهي عن الأذى بقول أو فعل .
{ إن الله كان علياً كبيراً } لما كان في تأديبهن بما أمر تعالى به الزوج اعتلاء للزوج على المرأة ، ختم تعالى الآية بصفة العلو والكبر ، لينبه العبد على أن المتصف بذلك حقيقة هو الله تعالى .
وإنما أذن لكم فيما أذن على سبيل التأديب لهن ، فلا تستعلوا عليهن ، ولا تتكبروا عليهن ، فإنَّ ذلك ليس مشروعاً لكم .
وفي هذا وعظ عظيم للأزواج ، وإنذار أنَّ قدرة الله عليكم فوق قدرتكم عليهن .
وفي حديث أبي مسعود وقد ضرب غلاماً له اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا العبد .
أو يكون المعنى : إنكم تعصونه تعالى على علو شأنه وكبرياء سلطانه ، ثم يتوب عليكم ، فيحق لكم أن تعفوا عنهن إذا أطعنكم .