البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

ثم ذكر ثمود فقال : { وأما ثمود } .

وقرأ الجمهور : بالرفع ممنوع من الصرف ؛ وابن وثاب ، والأعمش ، وبكر بن حبيب : مصروفاً ، وهي قراءة ابن وثاب ، والأعمش في ثمود بالتنوين في جميع القرآن إلا قوله : { وآتينا ثمود الناقة } لأنه في المصحف بغير ألف .

وقرئ : ثمود بالنصب ممنوعاً من الصرف ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، والأعمش : ثموداً منونة منصوبة .

وروى المفضل عن عاصم الوجهين . انتهى .

{ فهديناهم } ، قال ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد : بينا لهم .

قال ابن عطية : وليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد .

وقال الفراء ، وتبعه الزمخشري : فهديناهم : فذللناهم على طريق الضلالة والرشد ، كقوله تعالى : { وهديناه النجدين } { فاستحبوا العمى على الهدى } : فاختاروا الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد .

فإن قلت : أليس معنى هديته : حصلت فيه الهدى ، الدليل عليه قولك : هديته فاهتدى بمعنى تحصيل البغية وحصولها ؟ كما تقول : ردعته فارتدع ، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة ؟ قلت : للدلالة على أنه مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق لهم عذر ولا علة ، فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها .

انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال .

وقال سفيان : دعوناهم .

وقال ابن زيد : أعلمناهم الهدى من الضلال .

وقال ابن عطية : فاستحبوا عبارة عن تكسبهم في العمى ، وإلا فهو بالاختراع الله ، ويدلك على أنها إشارة إلى تكسبهم قوله : { بما كانوا يكسبون } . انتهى .

والهون : الهوان ، وصف العذاب بالمصدر أو أبدل منه .

وقرأ ابن مقسم : عذاب الهوان ، بفتح الهاء وألف بعد الواو .

وقال الزمخشري : ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم وكفى به شاهداً إلا هذه ، لكفى بها حجة .

انتهى ، على عادته في سب أهل السنة .