البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ} (81)

{ قل إن كان للرحمن ولد } ، كما تقولون ، { فأنا أول } من يعبده على ذلك ، ولكن ليس له شيء من ذلك .

وأخذ الزمخشري هذا القول وحسنه بفصاحته فقال : إن كان للرحمن ولد ، وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح يوردونه ، وحجة واضحة يبذلونها ، فأنا أول من يعظم ذلك الولد ، وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له ، كما يعظم الرجل ولد الملك لعظم أبيه .

وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض ، وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه ، وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد ، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد ، وهي محال في نفسها ، فكان المعلق بها محالاً مثلها .

فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة ، وفي معنى نفيها على أبلغ الوجوه وأقواها .

ثم قال الزمخشري : ونظيره أن يقول العدلي للمجبر .

ثم ذكر كلاماً يستحق عليه التأديب ، بل السيف ، نزهت كتابي عن ذكره .

ثم قال : وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقلة بالتوحيد على أبلغ وجوهه ، فقيل : إن كان للرحمن ولد ، في زعمكم ، فأنا أول العابدين ، الموحدين لله ، المكذبين قولهم بإضافة الولد إليه .

وقيل : إن كان للرحمن ولد ، فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد ، إذ اشتد أنفه فهو عبد وعابد .

وقرأ بعضهم : عبدين ، وقيل : هي إن النافية ، أي ما كان للرحمن ولد ، فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد .

وروي أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال : أن الملائكة بنات الله ، فنزلت ، فقال النضر : ألا ترون أنه قد صدقني ؟ فقال له الوليد بن المغيرة : ما صدقك ، ولكن قال : ما كان للرحمن ولد ، فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له . انتهى .

أما القول : إن كان لله ولد في زعمكم ، فهو قول مجاهد ، وأما القول : فأنا أول الآنفين ، فهو قول جماعة ، حكاه عنهم أبو حاتم ولم يسم أحداً منهم ، ويدل عليه قراءة السلمي واليماني : العبدين ، وقراءة ذكرها الخليل بن أحمد في كتابه العين : العبدين ، بإسكان الباء ، تخفيف العبدين بكسرها .

وذكر صاحب اللوامح أنه جاء عن ابن عباس في معنى العابدين : أنه الآنفين انتهى .

وقال ابن عرفة : يقال : عبد يعبد فهو عبد ، وقلما يقال : عابد .

والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ ، ثم قال : كقول مجاهد .

وقال الفرزدق :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** واعبد أن أهجوا كليباً بدارمي

أي : آنف وأستنكف .

وقال آخر :

متى ما يشا ذو الود يصرم خليله *** ويعبد عليه لا محالة ظالما

وأما القول بأن إن نافية ، فمروي عن ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وقتادة ، وابن زيد ، وزهير بن محمد ، وقال مكي : لا يجوز أن تكون إن بمعنى ما النافية ، لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت ، وهذا محال . انتهى .

ولا يلزم منه محال ، لأن كان قد تستعمل فيما يدوم ولا يزول ، كقولك : { وكان الله غفوراً رحيماً } أي لم يزل ، فالمعنى : ما كان وما يكون .

وقال أبو حاتم : العبد ، بكسر الباء : الشديد الغضب .

وقال أبو عبيدة : معناه أول الجاحدين .

والعرب تقول : عبدني حقي ، أي جحدني .

وقرأ ولد بفتحتين .

عبد الله ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش : بضم الواو وسكون اللام .