البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (10)

{ إن الذين يبايعونك } : هي بيعة الرضوان وبيعة الشجرة ، حين أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الأهبة لقتال قريش ، حين أرجف بقتل عثمان بن عفان ، فقد بعثه إلى قريش يعلمهم أنه جاء معتمراً لا محارباً ، وذلك قبل أن ينصرف من الحديبية ، بايعهم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد ، ولذلك قال سلمة بن الأكوع وغيره : بايعنا على الموت .

وقال ابن عمر ، وجابر : على أن لا نفر .

والمبايعة : مفاعلة من البيع ، { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } وبقي اسم البيعة بعد على معاهدة الخلفاء والملوك .

{ إنما يبايعون الله } أي صفقتهم ، إنما يمضيها ويمنح الثمن الله عز وجل .

وقرأ تمام بن العباس بن عبد المطلب : إنما يبايعون لله ، أي لأجل الله ولوجهه ؛ والمفعول محذوف ، أي إنما يبايعونك لله .

{ يد الله فوق أيديهم } .

قال الجمهور : اليد هنا النعمة ، أي نعمة الله في هذه المبايعة ، لما يستقبل من محاسنها ، فوق أيديهم التي مدوها لبيعتك .

وقيل : قوة الله فوق قواهم في نصرك ونصرهم .

وقال الزمخشري : لما قال : { إنما يبايعون الله } ، أكد تأكيداً على طريقة التخييل فقال : { يد الله فوق أيديهم } ، يريد أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو يدي المبايعين ، هي يد الله ، والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام .

وإنما المعنى : تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما ، كقوله تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } و { من نكث فإنما ينكث على نفسه } ، فلا يعود ضرر نكثه إلا على نفسه . انتهى .

وقرأ زيد بن علي : ينكث ، بكسر الكاف .

وقال جابر بن عبد الله : ما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس ، وكان منافقاً ، اختبأ تحت إبط بعيره ، ولم يسر مع القوم فحرم .

وقرأ الجمهور : { عليه الله } : بنصب الهاء .

وقرىء : بما عهد ثلاثياً .

وقرأ الحميدي : { فسيؤتيه } ؛ بالياء ؛ والحرميان ، وابن عامر ، وزيد بن علي : بالنون .

{ أجراً عظيماً } : وهي الجنة ، وأوفى لغة تهامه